ترافق انتهاء محادثات جولة أستانا 20 بتحركات ميدانية لافتة على الأرض في الجبهات السورية، بدأت عشية بدء المحادثات واستمرت لما بعدها، وتمثّلت هذه التحركات بقصف تركي طال مواقع “الوحدات الكردية” شمال شرقي سوريا ووصول تعزيزات عسكرية إلى مواقع الجيش السوري في منطقتي تل رفعت ومنبج بريف حلب، إلى جانب التصعيد الذي أجرته “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة وحلفاؤها)” في مواقع بريفي حماة واللاذقية.
تزامن انتهاء جولة أستانا 20 التي صدر عنها بيان ختامي شدد على ضرورة التنسيق العسكري بين وزارات دفاع سوريا وتركيا وروسيا وإيران، وإعلان موسكو أنه تم الاتفاق على “خريطة طريق” لإنجاز مسار التقارب السوري- التركي، مع هذه التحركات العسكرية، أثار إشارات استفهام في مختلف القوى الفاعلة في الميدان السوري، سيما فصائل أنقرة.
ونقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادرها أن فصائل أنقرة المنتشرة في ريف حلب الشمالي حالة شك متزايدة في ظل عدم تلقيها أيّ توضيحات عن مضمون “خريطة الطريق” التي يجري الحديث عنها، والخطوات التي قد تشملها هذه الخريطة، خصوصاً أن الوفد السوري شدد بعد انتهاء المحادثات أن انسحاب القوات التركية من سوريا هو مدخل لإقامة أي علاقات بين سوريا وتركيا.
وفي السياق، قال مصدر سوري معارض: “إن الفصائل المنتشرة قرب منبج وتل رفعت راقبت على مدار الأيام الماضية وصول تعزيزات الجيش السوري، وعندما استفسرت عن الموقف المطلوب اتخاذه لم تتلقّ أي تعليمات تركية جديدة، اقتصرت التعليمات على ضرورة ضبط الأمن الداخلي في مناطق انتشار الفصائل، ومنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار”، وفق ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وأضاف المصدر الذي نقلت عنه “الأخبار” أنه الفصائل المنتشرة في ريف حلب تراقب عمليات التصعيد المتواصلة من “هيئة تحرير الشام” لتتعرف أكثر إلى الموقف التركي، على حين تُعتبر “الهيئة” أحد أبرز الفصائل التي تعتمدها تركيا في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية.
وسبق أن كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن اجتماع عُقد في أيار الفائت بين مجموعة من قادة الفصائل المنتشرة في ريف حلب، ونوقش فيه تشكيل غرفة عمليات، موضحة أن هذه التحرّكات تأتي استجابة لإيعازات تركية سابقة بتشكيل هيكلية مؤسّساتية للفصائل لوقف الفوضى القائمة، وتمهيد الأرض لإعادة اللاجئين، بالإضافة إلى تشكيل هيكلية اقتصادية تقلّل _قدر الإمكان_ من اعتماد التمويل التركي الذي بدأ ينضب.
ما خيارات الفصائل؟
ومع استعراض حالة الشك التي تعيشها فصائل أنقرة، لفتت “الأخبار” إلى بعض السيناريوهات التي تنتظر تلك الفصائل، مشيرة إلى أنه “يبرز احتمال تخلي أنقرة عن حليفتها، ما يعني ضمنياً الاعتماد على الفصائل على حساب هيئة تحرير الشام، أو إنهاء الحالة الفصائلية أيضاً عن طريق قضم المناطق تباعاً، وفق جدول زمني محدد”.
في هذا الصدد، سبق أن نقلت مصادر “أثر” عن أشخاص مقربين من قياديين عدة في فصائل مختلفة، أن بعد التطورات السياسية التي شهدتها سوريا لا سيما بعد عودتها إلى الجامعة العربية، بدأ قياديي فصائل أنقرة يستشعرون خطراً كبيراً مما يجري حالياً في الساحة الدولية، ودخلوا في دوامة المستقبل المجهول الذي قد يهدد وجودهم في الشمال، حيث أبدى أولئك القياديون قلقهم وخوفهم الشديدين مما يجري، واستياءهم في الوقت ذاته من المواقف الدولية تجاههم، بحسب وصفهم.
وأشارت المصادر حينها أنه في ظل تلك المعطيات، تركز فصائل أنقرة على نقطتين رئيسيتين، بحسب ما أكدته مصادر متطابقة لـ “أثر” من منطقتي عفرين وأعزاز، الأولى: تأجيج الرأي العام ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتهم ودفع الأهالي إلى درجة الإكراه، للخروج بمظاهرات شبه يومية رفضاً للمواقف الدولية الجديدة، الأمر الذي شهدته بالفعل مناطق عفرين وأعزاز والباب في الأسبوعين الماضيين.
أما النقطة الثانية التي حازت النصيب الأكبر فعلياً من تركيز قياديي الفصائل، فتركزت على جمع أكبر قدر ممكن من الأموال بمختلف الطرق، التي جاءت تجارة المخدرات في مقدمتها، حيث شهدت مناطق ريف حلب الشمالي في الأسابيع الماضية، نشاطاً كثيفاً في عمليات تهريب المخدرات سواء من وإلى تركيا، أم مع مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” في الشرق.
وانتهت محادثات أستانا 20 ببيان ختامي ركز على نقاط عدة أبرزها: “أهمية التنسيق مع عمل وزارات الدفاع والخدمات الخاصة في سوريا وروسيا وإيران وتركيا ومواصلة الجهود النشطة في هذا الاتجاه والاعتراف بأهمية دفع هذه العملية على أساس حسن النية وجسن الجوار من أجل مكافحة الإرهاب، والتصميم على مواصلة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ومواجهة الخطط والانفصالية، وإدانة نشاط التنظيمات الإرهابية في سوريا وضرورة التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة المتعلقة بشمال سوريا”.
يشار إلى أنه بعد انطلاق مسار التقارب السوري- التركي أعربت فصائل أنقرة المنتشرة شمالي سوريا عن رفضها لهذا المسار، وتخوفها من تبعاته ودعت إلى الخروج بمظاهرات تنديداً به، تم خلالها إسقاط العلم التركي، الأمر الذي استدعى حينها تدخلاً من السلطات التركية لوقف هذه الاحتجاجات.