بخطوة جريئة وبعيداً عن أي حسابات قامت الولايات المتحدة باغتيال الجنرال قاسم سليماني القائد الإيراني المزعج للأمريكيين والمعرقل الأساسي للعديد من الخطط الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لكن يبدو بأن هذا الاغتيال الذي ترى فيه الولايات المتحدة خطوة استراتيجية قد أثّر من حيث لا تعلم في استراتيجيتها البعيدة وبسنوات عملها الطويلة في هذه المنطقة.
تسعى الولايات المتحدة منذ سنوات إلى إحداث شرخ شعبي داخلي في إيران عن طريق العديد من الخطط والتي كان أبرزها العقوبات الاقتصادية التي هدفت من خلالها إلى دفع البيئة الشعبية الإيرانية للانفجار في وجه الحكومة، ونشر حالة من الفوضى في الداخل الإيراني.
كل تلك المساعي التي كانت الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية انعدمت بشكل شبه كامل في الداخل الإيراني بعد اغتيال الجنرال سليماني، حيث تؤكد تقارير غربية أن أكثر من 73 في المئة من الإيرانيين يؤيدون الجنرال سليماني وتأثروا باغتياله ولم يعودوا يكترثون لرفع أسعار البنزين أو ما شابه وبأن الحشود الضخمة في جنازته في شتى مدن إيران أحرجت الإدارة الأمريكية التي كانت تبث دعاية فحواها أن المستويات الشعبية الإيرانية سترضى بما حدث، إلّا أن النتيجة كانت توحيد الصف الداخلي الإيراني بصورة واضحة للغاية.
قيام إيران بالرد على اغتيال سليماني واستهداف قاعدة عين الأسد بضربات صاروخية موجهة ودقيقة في استهداف مباشر لقاعدة أمريكية لم يحدث منذ الهجوم الياباني عام 1941 على الأسطول البحري الأمريكي، وكسرها 80 سنة من الهيبة الامريكية أظهرها بصورة أكثر قوة أمام دول المنطقة والعالم وأكدت جديتها مع حلفائها في الصين وروسيا في حال توسع الصراع الأمريكي.
أما فيما يخص الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في العراق وسورية، فالقواعد الأمريكية التي كانت مستقرة إلى حدٍ ما قبل الاغتيال لم تعد على ما هي عليه، حيث تؤكد العديد من التقارير وجود حالة من الإرباك لدى الإدارة الأمريكية من شن أي هجمات شعبية على تلك القواعد حيث أكدت وكالة “سانا” السورية الرسمية أن قوات الاحتلال الأمريكي المتمركزة في قاعدة خراب الجير بريف الحسكة بدأت بإخلاء القاعدة بشكل نهائي من خلال خروج نحو 40 شاحنة تحمل معدّات عسكرية وعربات منها، واتجاهها إلى قرية السويدية القريبة من معبر الوليد غير الشرعي تمهيداً للانسحاب باتجاه الأراضي العراقية.
الحشد الشعبي أعلن أنه سيبدأ بالرد خلال الأيام المقبلة وهو ما قد يكون بداية لمرحلة جديدة تُدخل القوات الأمريكية في حرب استنزاف وتنتهي بخروج الأمريكيين من المنطقة.
يبدو أن الإدارة الأمريكية باتت مُدركة لما يجري وحجم الخطأ الذي اقترفته حيث أن الرئيس ترامب طلب من دول الناتو تعزيز وجودها في القواعد العسكرية كي لا يدخل وحده في مواجهة تلك المرحلة، فصحيحٌ أن أمريكا نجحت في اغتيال سليماني لكن هذا الاغتيال سرع الخطط التي كان قد رسمها سليماني في المنطقة.