أثر برس

إيران و”إسرائيل”: السرد والسرد المضاد

by admin Press

خاص|| أثر برس المواجهة بين إيران و”إسرائيل” هي “مواجهة سردية”. لا تقتصر على البعد العسكري غير المباشر، بل تشمل أبعاداً آخرى مثل المعنى والفكرة. والواقع أن اعتداء “إسرائيل” على القنصلية الإيرانية بدمشق، والرد الإيراني عليه، هما شكل من أشكال المواجهة متعددة الأنماط، لعل أهمها الخطاب السياسي والإعلامي، والمواجهة الدبلوماسية، وكل الأنماط الأخرى بما فيها الأمني والاستخباراتي، بكل تداخلاتها وتخارجاتها، الجديدة والقديمة.

معركة السرد
معركة السرد بين إيران و”إسرائيل” هي جزء مهم من معارك الإقليم. وقوة السرد هي جزء مهم من عناصر القوة المطلوبة للمواجهة. ويقف العالم اليوم أمام سرديات متضادة بين الطرفين. وبالطبع ليس المطلوب من السرد أن يقول الحقيقة بالتمام، لكن أن يقول كل شيء ممكن، وبأفضل طريقة ممكنة، من أجل تحقيق أهداف الفاعل. لكن عندما يعمي السرد ويكذب ويختلق، فهذا هو بالتمام شكل الحرب والصراع في أفق مقولة ماكيافيلي الشهيرة: “الغاية تبرر الوسيلة”.

ذُرا المواجهة
مثّل الرد الإيراني، بهذا المعنى، إحدى الذرا الرمزية والسردية والمعنوية في المواجهة مع “إسرائيل”، بل لعل ذلك تفوق في جانب منه على مواجهات السرد في حرب غزة.

ولو أن “سرد إسرائيل” كان “سرد القاتل” الذي يريد تبرير الاحتلال وجرائم الحرب التي يرتكبها تجاه الفلسطينيين، والتمويه على الأسباب العميقة للحرب. واختلاق سرد/رواية عن الحدث “تؤثم” الفلسطينيين، وتضعهم في خانة “الإرهاب” و”العمالة لإيران”، وبالطبع للتعمية على كونهم حركة تحرر وطني ومقاومة للاحتلال.

في حين أن “سرد إيران” كان “سرد صاحب الحق بالرد”، والطرف الذي يملك من الهمة والإرادة والإمكانات ما يجعله قادراً على الرد ومواصلة المواجهة بأبعادها المختلفة. والفعل العسكري المنضبط المتناغم مع الفعل السياسي الذي أدار عملية الرد من خلال شبكة اتصالات وتراسل واسعة وعميقة، وهو سرد إعلامي وسياسي ودبلوماسي، أنهمَّ بقوة في عملية تهيئة متعددة الأبعاد للعمل/الرد العسكري.

إيران

تركز السردية الإيرانية على أصل الموقف، وهو الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية، والحق القانوني والشرعي والأخلاقي بالرد. وعلى حدود الفعل القصدية، الصريحة والمعلنة. وأن إيران لا تريد الحرب وإنما مجرد الرد، وذلك ليس لاعتبارات تخص “إسرائيل”، وإنما اعتبارات تخص تفاعلات وتحالفات الأخيرة، وإكراهات الوجود الأمريكي وتحالفاته في الإقليم.

تنظر إيران للموقف من منظور أوسع نطاقاً، بمعنى منظور إقليمي وعالمي للصراع. أخذة بالاعتبار عدم استدراجها إلى حرب مفتوحة لا تريدها، في ظل الظروف اليوم، وخاصة أن “إسرائيل” ربما تريد استدراج الحرب من أجل التخلص من مأزق حرب غزة.

“إسرائيل”

سكتت “إسرائيل” وحلفاؤهما عن إطار وطبيعة الرد. وذهبت بالأمور إلى التعمية على ما أرادت إيران أن توصله لـ “سرائيل” وحلفائها، وللعالم. وأصر على عدم إظهار أي صور لطائرات أو صواريخ إيرانية وصلت إلى أهدافها في فلسطين المحتلة. وركزت على أن الرد لم يحقق أي أهداف عسكرية أو غيرها. لكن “إسرائيل” وحلفاءها لم تستطع أن تمنع سيل التحليلات التي تتحدث عن تغير في “ميزان المواجهة” بين الطرفين، وفشل سياسة “الردع الإسرائيلية”، وأن “إسرائيل” غير قادرة بمفردها على الدفاع عن نفسها، كما لم تستطيع احتواء الدلالات النفسية والرمزية للرد.

إفصاح وسكوت

عدت “إسرائيل” أن الرد كان فرصة لـ”تظهير” تحالف عميق، إقليمي وعالمي، دافع عن “إسرائيل”، وأن الرد كان فرصة لإظهار أن “إسرائيل” قوية بتحالفاتها، وتجديد التزام الغرب بالدفاع عنها في مواجهة إيران. وأن الرد الإيراني عزز دالة ارتباط اتهامية –من منظورها– بين إيران وحركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وأطراف أخرى. وأيضاً ضرورة “احتواء” إيران وتدمير برنامجها النووي.

“سكتت” السردية الإسرائيلية والغربية عن أمر جوهري، وهو أن إيران لو أرادت أن يسبب الهجوم تدميراً كبيراً لفعلت، ولكانت استخدمت تقنيات صاروخية كبيرة تملكها. والعالم يعرف أنها لم تستخدم أفضل ما لديها من سلاح. ثم أنها لم تستهدف القطاع المدني أو الاقتصادي أو السياسي، وركزت على أهداف عسكرية محددة. والأرجح أنها “تقصدت” أن تكون الأضرار محددة أو محدودة الهدف كما قالت إيران هو الرد على اعتداء، وليس الدخول في حرب. وهذا يفسر كيف أعلنت إيران “نهاية الرد” في حين كا تزال الطائرات المسيرة والصواريخ في الطريق. إنما هي “نهاية” مشروطة بردود الأفعال اللاحقة.

رسالة إيران
الرسالة الرئيسة هي أن إيران لن تقبل بعد الآن استهداف مصالحها، وسوف ترد على كل اعتداء. وهذا هو المعنى الرمزي/المعنوي والنفسي الذي يفوق العمل المادي أو العسكري المباشر، إن أمكن التعبير. وهو بالضبط الذي يحاول أصحاب السرد المضاد أن يعموا عنه.

وإذا كان الرد الإيراني محسوباً بدقة، ومحدد الأهداف، كما سبقت الإشارة، وأغراضه سياسية واستراتيجية أكثر منها عسكرية بالمعنى المعروف للكلمة، فإنه حقق ما أراد، وما سبق لإيران أن أعلنته مراراً قبل ذلك. ولعل “قرار الرد” هو أولها وأهمها، بالشكل الذي يجعله محدداً في الهدف المباشر، وفي الزمان والمكان، ومفتوحاً في المعاني والدلالات المستقبلية.

أفق الحدث

الأهم بالنسبة للإقليم هو “أفق الحدث”، بمعنى الأفق الذي يتحرك فيه الرد الإيراني وردة الفعل المناهضة أو المعاكسة من قبل “إسرائيل” وحلفائها. وتأكيد إيران أنها سوف ترد على أي اعتداء يطالها مباشرة أو يطال مصالحها في الإقليم. وخصوصاً أن إيران تحررت من إكراهات كثيرة كانت تؤجل تأديتها الرد المباشر على “اعتداءات إسرائيلية” متكررة خلال السنوات الماضية.

ليس من المتوقع أن تتوصل الأطراف إلى “توافق موضوعي” في خطوط وحدود المواجهة أو قواعد الاشتباك، إن أمكن التعبير. وسوف تواصل إلى “إسرائيل” محاولاتها اختبار قدرة ورغبة إيران في متابعة أهدافها ورهاناتها في الإقليم، في أفق ما يعرف بـ”خط المقاومة”. وسوف تركز على إعادة إنتاج سرديتها للصراع في الإقليم، يعاونها في ذلك حلفاؤها الغربيون، وبعض حلفائها العرب، صراحة أو ضمناً.

يمثل صراع السرديات أحد الصراعات الرئيسة في الإقليم، الأمر الذي يتطلب من فواعل الإقليم المتضررة من “المشروع الإسرائيلي” والهيمنة الغربية، أن تخصص المزيد من الموارد المادية والمعنوية، وتباشر جهوداً جبارة لـ “موازنة”جهود “إسرائيل” على هذا الصعيد.

الدكتور عقيل سعيد محفوض

اقرأ أيضاً