في أقل من عشرة أيام، تعرضت الولايات المتحدة لإخفاق آخر تجاه إيران بعد رفض فرنسا وبريطانيا وألمانيا طلب الرئيس ترامب بتفعيل “سناب باك” (آلية العودة الى الوضع السابق) في الاتّفاق النووي لإعادة فرض عقوبات على طهران.
انتقلت الولايات المتحدة إلى “الخطة ب” في ظل سعيها لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، بموجب مبدأ “سناب باك” وجاءت تلك الخطوة التي لم تسعف إدارة ترامب، بعد رفض مجلس الأمن لمشروع قرار أمريكي يسمح بالتمديد إلى أجل غير محدد لحظر الأسلحة المفروض دولياً على طهران.
ما جرى في مجلس الأمن بين الولايات المتحدة والثلاثية الأوروبية يضع العديد من علامات الاستفهام حول تطور العلاقات بين الجانبين وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية المعنية اصطفت في قائمة الذين اختاروا الحياد، إلا أن ذلك يُعتبر مؤشر مهم على الانقسام العميق بين الأوروبيين والأمريكيين.
لكن الموقف الثاني جاء أكثر قوة من الأوروبيين عندما قالت فرنسا وبريطانيا وألمانيا إنّ الولايات المتحدة لا تملك الحقّ القانوني لإطلاق ما يسمى بآلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران لأنها انسحبت عام 2018 من الاتفاق النووي.
قد يكون تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هو أكثر ما يجسد حالة الغضب الأمريكي من سلوك الدول الأوروبية عندما خرج عن الأطر الدبلوماسية واتّهم حلفاء بلاده الأوروبيين بالانحياز تجاه الإيرانيين، حيث قال بومبيو للصحافيين قبل أيام في نيويورك بعد إطلاق الآلية بشكل رسمي “لا توجد دولة سوى الولايات المتحدة امتلكت الشجاعة والقناعة لتقديم مشروع قرار، لكنّهم بدلاً من ذلك اختاروا الانحياز إلى الإيرانيين” حسب وصفه.
يبدو أن العزلة التي أرادت الولايات المتحدة أن تُدخل إيران بها بدأت تنعكس عليها، فخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإن كان له وقع على الاقتصاد الداخلي الإيراني إلا أنه بالمقابل عزز الحالة السياسية الإيرانية والتي وصلت مؤخراً إلى حديث رئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن إمكانية شراء صواريخ إيرانية عندما قال يوم السبت الفائت “إن دراسة شراء صواريخ من إيران ستكون فكرة جيدة”، وسط قلق واشنطن من تنامي العلاقات التجارية والعسكرية بين الطرفين بعد أن زودت إيران فنزويلا بالبنزين في أيار لتخفيف النقص الحاد في الوقود.
قد يكون التصريح مجرد تهديد للأمريكيين لكنه يحمل في طياته الكثير من الرسائل خصوصاً وأن هذا البلد (فنزويلا) الجار للولايات المتحدة ليس على علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية خصوصاً في زمن الرئيس ترامب.
تلك المجريات تأتي في توقيت لا يخدم الحملة الانتخابية للرئيس ترامب ما دفعه لمحاولة استرضاء الشارع الأمريكي بعد إخفاقاته، بالحديث عن عقد صفقة جديدة مع إيران في حال فوزه بالانتخابات قائلاً: “إنهم (الإيرانيون) سيعقدون صفقة، وأقول إنهم سيعقدونها خلال شهر”، كما اعتبر ترامب أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران ساهم في تحقيق اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي وقال: “لو حافظت على تلك الصفقة، لما كان الآن ما يحدث مع الإمارات وإسرائيل”، مضيفاً أن هناك دول عربية أخرى تريد الانضمام إليها.
ما وصلت إليه السياسة الأمريكية الآن من انقسامات وعدم قدرة على احتواء المشهد العالمي قد يكون أبرز أسبابه اتباع الإدارة الأمريكية الأخيرة للإملاءات الإسرائيلية دون النظر إلى المصلحة الأمريكية من ما يجري، فقد أثبت الديموقراطيون في الولايات المتحدة أنهم أكثر دهاءً في التعامل بالسياسات طويلة الأمد من الجمهوريين، وخصوصاً فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني فبدايات الاتفاق تساءل البعض عن مصلحة الولايات المتحدة من هذا الاتفاق ولماذا يعارضه الجمهوريون لتأتي الإجابة في الأحداث الأخيرة التي أثبتت فشل الجمهوريين بإدارة ترامب في عزل إيران عن العالم.
يبدو أن إخفاقات إدارة ترامب التي كانت تصور على أنها نجاحات خلال السنوات الأربع الفائتة بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً لتؤكد أن سياسات ترامب وإن كانت فعالة عند إصدارها لكنها فاشلة على المدى الطويل فالولايات المتحدة لم تعد سيدة العالم.
رضا توتنجي