تواصل قيادة ما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” التابعة لـ “قوات سوريا الديموقراطية-قسد” المدعومة من الاحتلال الأمريكي استفزاز القوى السياسية والعسكرية والمدنية المحيطة بها دون النظر إلى أبعاد تلك السلوكيات التي تزيد الشرخ بينها وبين ذلك المحيط.
آخر تلك الاستفزازات الاتفاق الذي أبرمته ما تسمّى بـ “الإدارة الذاتيّة” في شمال شرق سورية مع الشركة الأمريكيّة “Delta Crescent Energy LLC” لسرقة حقول النفط السوريّة بطريقة أكثر منهجية، وبمباركة إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتهليل “إسرائيلي”، في مقابل رفض من القوى المحيطة بها حيث أبدت كل من إيران وتركيا رفضهم لهذا الاتفاق بعد أن أعلنت الخارجية السورية رفض الاتفاق معربة في بيان لها أن “الاتفاق يشكل اعتداء على السيادة السورية واستمرارا للنهج العدائي الأمريكي تجاه سورية في سرقة ثروات الشعب السوري وإعاقة جهود الدولة السورية لإعادة إعمار ما دمره الإرهاب”.
فبعيداً عن موضوع نهب النفط السوري وإذا أردنا الحديث عن خطة للقيادة الكردية لإنشاء فدرالية مستقلة يبدو بأن الشخصيات القيادية في ما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” و”قسد” لا تعمل باستراتيجية طويلة المدى في سلوكياتها التي تدعي أنها تصب في مصلحة الأكراد، إذ أن هذا الاتفاق وغيره من الإجراءات من شأنها أن تزيد عزلة المكون الكردي في سورية الذي يستند إلى حليف وحيد يبعد عنها جغرافياً آلاف الكيلومترات دون النظر إلى إنشاء تحالفات مع دول تشكل لها امتداد جغرافي كتركيا وإيران والعراق وقبلهم بالطبع الدولة السورية والتي ييعون إلى إنشاء كيان لهم على أرضها، فما يسمى بالإدارة الكردية لم تدرك بعد بأنها لن تتمكن من إنشاء فدرالية مستقلة بمحيط 3 دول ترفض وجود هذا المكون.
الأمر المستغرب أكثر بأن تلك الإدارة التي لا تزال تضع كل ثقتها بالولايات المتحدة والتي لم يمض أكثر من بضعة أشهر عن آخر طعنة وجهتها لها عندما سمحت لتركيا بالقيام بعملية ما يسمى بـ”نبع السلام” والتي أدت إلى احتلال تركيا لمساحات واسعة من الشمال السوري (مكان تواجد الأكراد)، ولم يقف حينها مع الأكراد سوى الجيش السوري الذي أرسل تعزيزات عسكرية ساهمت في وقف توغل قوات الاحتلال التركي في تلك المناطق، فالإدارة الكردية الحالية لم تفهم بعد السياسة الأمريكية التي تستخدمها كورقة ضغط في ملفاتها المتعلقة في المنطقة وزيادة الحصار على الشعب السوري عن طريق السيطرة على النفط.
من غير المفهوم أيضاً أن ما يسمى بـ “قوات سوريا الديموقراطية” تدّعي الوطنية والانتماء إلى سورية في حين تقوم بسرقة النفط كي لا يصل للحكومة السورية متناسيةً بأن هذا النفط الذي تقوم بسرقته حق لكامل الشعب السوري الذي يعاني من أوضاع اقتصادية سيئة من شمال سورية إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
يجب على القيادات الكردية في المرحلة الحالية فهم ومعرفة بأن تحالفهم مع الولايات المتحدة بهذا الشكل سيزيد من عزلتهم خصوصاً بين القوى المحيطة بهم التي ذكرنها، والأهم من ذلك علاقتها مع العشائر العربية التي تنتشر في محيط حقول النفط في دير الزور والحسكة، ولعل ما جرى قبل أيام في بلدة حوايج وبلدات ذيبان وجديد عكيدات وغيرها من قرى وبلدات ريف دير الزور من مظاهرات واحتجاجات طالبت بخروج “قسد” وقوات الاحتلال الأمريكي وتطورت إلى اشتباكات مسلحة قال نشطاء أنه انتهى بسيطرة أفراد من قرية الحوايج على مقرات لـ”قسد”، قد يكون خير دليل على ما نتحدث عنه وعن حالة الشرخ التي تخلقها الولايات المتحدة بين مختلف المكونات السورية.
بالمقابل على ما يسمى بـ “الإدارة الذاتية” إدراك فكرة أن المقاومة الشعبية العراقية تمكنت من هزيمة مئة ألف جندي أمريكي قبل سنوات، فلن يصعب على المقاومة الشعبية السورية التي بدأت تظهر في أرياف دير الزور هزيمة بضع مئات من الجنود الأمريكيين، وبأن ليس لها من تستند عليه في مواجه العدو التركي الذي يتربص بها في الشمال سوى الدولة السورية فالقوات الأمريكية خذلتها سابقاً وستخذلها عندما لا تعد في حاجتها، فالولايات المتحدة لن تبقى في سورية إلى الأبد.
رضا توتنجي