102
ذات يوم, قبل 2011، كنت أُدرس تلاميذاً في الصفوف الإعدادية، شاهدت أحدهم يضع رزمة من النقود في جيبه فسألته عنها، قال: أدخرها لأيام الامتحانات أرشو بها المدرسين ليجيبوا على الأسئلة. كان واحداً من طلاب كثيرين لا يعرفون كيف يكتبون أسمائهم، منهم تلميذ آخر سألته لماذا لا تريد أن تتعلم اللغة الإنجليزية؟ أجاب: سأُعيِّن لي مترجماً مثل الزعيم علي عبدالله صالح!.
هذه ليست قصصا خيالية، هي واقع معاش يعرفها الذين يمارسون مهنة التعليم أو كل من له صلة بالتعليم في اليمن. التعليم في مرحلة حكم صالح لم يكن بأفضل حالاته، كانت اليمن في أسفل القائمة أما اليوم فقد خرجت من القائمة كلها.
النجاح بالنسبة للكثيرين لا يعتمد على الجد والاجتهاد، هناك طرق كثيرة لبلوغ النجاح في اليمن، منها شراء الشهادات المدرسية والجامعية والغش والرشوة. كثيرون من مدراء المدارس شبه أميين، هؤلاء إضافة إلى كبار المسؤولين الفاسدين في الدولة يشكلون قدوة فاسدة لكثير من الطلاب؛ لسان حال الطالب المتكاسل يقول: إذا كان هؤلاء قد استطاعوا الوصول إلى هذه المناصب وهم على هذا الحال من التخلف الدراسي والفساد أفلا يكون بمستطاعي أن أحذو حذوهم!.
يشكل التعليم عبئاً على الأسر اليمنية خصوصاً تلك التي لديها أبناء كُثر، التعليم ليس مجاني، ولا توجد فرص متساوية للحصول على التعليم في اليمن، إضافة إلى أعباء الدراسة ومصاريفها، هذا الوضع يدفع بالكثيرين إلى حرمان أبنائهم من التعليم. وهناك أسباب أخرى لتدهور التعليم في اليمن منها قلة المدارس والازدحام الشديد، قرابة مائة طالب في كل فصل يستوعب في الأصل نصف العدد تقريباً. بُعد المدارس وقلتها والكثير منها لم تعد صالحة للتعليم,، وعدم تأهيل المعلمين، والفقر، ووجود مناخ لا يهتم بالتعليم، وتوفر وسائل أخرى بديلة يستطيع الطلاب من خلالها النجاح بسهولة، أما المدارس والجامعات الخاصة فهي عبارة عن عمارات معدة في الأساس للسكن العائلي. كل هذه الأسباب تسهم في خلق بيئة طاردة للتعليم عند فئة من الناس، وفئة أخرى همها الأول الحصول على شهادة بأي طريقة والنتيجة آلاف من الطلاب الأميين الذين يلتحقون بالجامعات بل ويتخرجون بشهادة دكتوراة.
في ظل هذا الوضع ومع توقف صرف الرواتب للمدرسين قرابة السنة حتى الآن لم يتبقَ من التعليم في اليمن شيء. والأمر الذي يدعو للغرابة هو إصرار الناس على إلحاق أبنائهم في المدارس على الرغم من هذه الحالة الميؤوس منها! قد يكون ذلك مدعاة للأمل والإصرار على التعليم وحب التعلم لكن حين نعلم أن التعليم بشكله المبين أعلاه صار جزءاً من الروتين تزول الدهشة!.
بقلم: رياض نسيم حمادي