خاص|| أثر برس مع ازدياد خطاب العنف والكراهية ضد السوريين في تركيا، يعيش اللاجئون أصعب أيامهم، إذ تهيمن حالة من القلق والخوف عليهم جراء أعمال العنف الموجهة ضدهم، في حين لم يستطع آلاف العاملين الخروج إلى أعمالهم بسبب الأعمال العنصرية التي استهدفتهم، ما أدى إلى شلل الإنتاج في عدد من المعامل والمصانع التركية، والتي يشكل فيها العمال السوريون الغالبية.
تشير الإحصاءات التركية إلى أن نحو 30 – 35 ألف سوري يعملون في المنطقة الصناعية في مدينة قيصري والتي شهدت اندلاع شرارة الأحداث ضد السوريين، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف المصانع تماماً في المدينة، ما يظهر الثقل الاقتصادي الذي تشكله الأيدي العاملة السورية خصوصاً في المجال الصناعي، وعليه يخشى من امتداد الشلل الاقتصادي والصناعي، خصوصاً بعد توسع خطاب الكراهية ليشمل قرابة 10 ولايات تركية، سيما أنطاليا وأضنة وأزمير وإسطنبول ومدن هاتاي (لواء إسكندرون) والتي تعد معقل الهجمات الشرسة على السوريين.
استثمار داخلي في اللاجئين
ينتقل خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ توسعت الهجمات عليهم من ممتلكاتهم واستهدافهم بشكل مباشر إلى تسريب بياناتهم الشخصية، وعناوين سكنهم، كما جرى الخميس عبر مجموعات في تطبيق “التليغرام” تحمل اسم “انتفاضة تركيا”، الأمر الذي زاد حالة الهلع عند السوريين، وطرح عدد من التساؤلات حول كيفية تسريب مثل هذه الوثائق، والتي أكد صحتها وزير الداخلية التركي، الأمر الذي بدأ السوريون بالتهامس به عن نية جهات رسمية تركية واستخباراتية بالتصعيد ضدهم لتهجيرهم، خصوصاً عقب مسار التقارب السوري_التركي، وانتهاء دور هذه الورقة المخصصة للاستثمار السياسي التركي.
ترى الأكاديمية والكاتبة التركية حميدة رنجيز أوغوللاري في حديثها لـ”أثر برس” أن آخر الاستثمارات التي حققها الرئيس التركي بملف اللاجئين جاء في الانتخابات الرئاسية 2023، إذ استثمر اللاجئين في كسب عدد من الأصوات بوساطة من تم تجنيسهم، عدا عن الوعود التي طرحها لحل أزمة اللاجئين دولياً، وعليه استفاد من هذه الورقة بشكل مباشر تلبية لمصالحه، بالمقابل تنامى داخلياً موقف سلبي تجاه اللاجئين من جمهور المعارضة، عدا عن أن أعداداً كبيرة من المتورطين بالدماء من السوريين في تركيا بعضهم حصل على الجنسية التركية، وهؤلاء قد يكونون مشكلة أيضاً في الأيام القادمة.
وبحسب التقديرات غير الرسمية يعيش في تركيا أكثر من 3.5 ملايين سوري لديهم حماية مؤقتة، بالإضافة إلى أن 100 ألف يحملون تصاريح إقامة صالحة، وقد تم تجنيس بين 200 و300 ألف منهم، ليصل عدد السوريين الموجوين في تركيا إلى قرابة الـ 4 ملايين، وهي أرقام كبيرة ولكنها مفيدة لتركيا أيضاً بحسب الكاتب في الشؤون التركية د. سركيس بورنزسيان.
ابتزاز لأوروبا
يرى الكاتب والمختص في الشؤون التركية د.سركيس بورنزسيان، في مقابلة صحافية أجراها مع “أثر برس” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، امتاز بالبراغماتية في استثمار ملف اللاجئين السوريين، إذ عمل منذ سنوات الأزمة الأولى لتصدير قضيتهم للاتحاد الأوروبي في سبيل تقديم الدعم المالي له، وهذا قد استطاع تحقيقه من الأرقام الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
وتشير الأرقام الصادرة عن الاتحاد في تقرير الاستجابة للأزمة السورية إلى أن المفوضية الأوروبية قدمت لتركيا قرابة 10 مليارات يورو من المساعدات إلى اللاجئين السوريين في تركيا منذ عام 2011، في حين حصل قرابة 2 مليون منهم على تحويلات نقدية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ووزع نحو 33.4 مليون ضمن إطار الرعاية الصحية الأولية وأكثر من 6.2 مليارات يورو في إطار المساعدة الإنمائية، عدا عن وضع قرابة 4000 موظف في المجال الطبي، وبناء 548 منشأة صحية، و155 مدرسة لتلبية الاحتياجات التعليمية.
ويضيف الكاتب د. بورنزسيان، أن “أردوغان استطاع التحكم بإحدى كبرى بوابات الهجرة في العالم للقارة الأوروبية، وعليه استطاع الضغط على الأوروبيين واستقطاب كل هذه الأموال والمساعدات، إذ إن باب الهجرة من تركيا إلى أوروبا أكثر ما يؤرق السياسيين في الاتحاد الأوروبي، وبذلك جرى تقديم الدعم لتركيا في سبيل لجم موجات الهجرة إليهم”.
ويعتقد د. بورنزسيان أن هذه الأعداد على الرغم من ضخامتها فإنها قدمت لتركيا الفائدة الكبيرة، فالبداية كانت من سحب المصانع والمعامل من محافظة حلب وإدخالها إلى تركيا، ثم نقل الخبرات الصناعية والتجارية، عدا عن الاستفادة من اللاجئين أصحاب الكفاءات العلمية العالية، كما استفاد من السوريين باستخدامهم في جبهات الصراع الخارجية، إذ شارك عدد من السوريين في العمليات العسكرية التركية في ليبيا، وتم إرسال عدد منهم إلى أذربيجان وأوكرانيا وإفريقيا.
تغيير ديمغرافي
مع امتداد الحرب على سوريا أولت تركيا اهتماماً خاصاً في الشمال السوري، إذ أقدمت إلى جانب انتشارها العسكري والاستخباراتي على تتريك المنطقة شمالاً من الناحية الاقتصادية، والإدارية والمالية والثقافية، واللغوية، كما ربطت كل من مناطق شمالي حلب بولايات هاتاي وغازي عنتاب وكلس وأورفا، وعليه استطاعت تركيا أن تخلق لنفسها في كياناً سورياً موالي لتركيا، وعليه تعتقد الكاتبة التركية أوغوللاري أنه “ثمة فاتورة ثقيلة للوجود التركي في سوريا، تسعى أنقرة إلى الاستفادة منها، ترجمتها ببناء المستشفيات والجامعات والمؤسسات الأكاديمية والثقافية، كما أنشأت مراكز الصرافة ومكاتب بريد، وعليه سيعمل التركي لاستعمال هذه الورقة بشكل بعيد الأمد حتى في ظل التقارب ولن يكون انسحابه هيناً من سوريا”.
فيما يرى الكاتب د. بورنزسيان أن “كل هذه الإجراءات التركية في الشمال السوري هدفها إحداث تغير ديمغرافي في المنطقة من خلال استبدال السكان الأصليين من الكرد السوريين بمجموعة من المجبرين على الإقامة هناك وفق إجراءات الترحيل القسري التي تتبعها تركيا ضد السوريين، وهي سياسة تركيا عملت لتنفيذها منذ سنوات في الشمال السوري لفرض التتريك”.
تشير القراءات السياسية لما يحصل على الأراضي التركية من أحداث عنف ضد اللاجئين، وخطابات الكراهية إلى أن الورقة الخاصة باللاجئين السورين انتهت صلاحيتها بالنسبة لأنقرة، وتبقى المناورة الأخيرة على هذه الورقة مرتبطة بمسيرة التقارب، وتقوم هذه المناورة على تحويل مسار عودتهم بفرض عملية التغيير الديموغرافي، وإنشاء واقع جديد، وعليه تكسب أنقرة حلاً لمشكلة اللاجئين وفق القانون الدولي، وخلق كيان موالٍ لها في المنطقة الشمالية لسوريا.
د. أحمد الكناني