خاص || أثر برس “حتى عام 2005، كان الحسون يملأ المكان في منطقة القدموس بطرطوس، وكانت أعداده تصل لـ50 طائر في السرب الواحد، لكن هذا الحال تغير اليوم، وانقرض هذا الطائر الجميل في المنطقة”، بهذه الكلمات تحدث الناشط البيئي عرفان حيدر عن الطائر المغرد الذي قل تواجده.
وأوضح حيدر بحديثه مع “أثر” أن سبب اختفاء الحسون، يعود إلى الصيد الجائر الذي مر بمراحل متعددة، حيث بدأ بنصب الشباك له، ثم تطور لاستخدام مواد لاصقة، وصولاً إلى وضع أعشاش الحسون في الأقفاص وسرقتها مع صغارها، معتبراً أن استمرار هذه الممارسات أدّى إلى انقراض الحسون في العديد من المناطق.
ويعتبر الحسون طائراً صغير الحجم يتميز بجمال شكله وألوانه وصوته العذب، ويعدّ من الطيور الشهيرة في بلاد الشام، بحسب ما يشرح ، عامر كيخيا لـ”أثر” مضيفاً أن الحسون ينقسم إلى نوعين: الأول مقيم في المنطقة وأصبح شبه منقرض بسبب الصيد الجائر وسرقة الأعشاش، والنوع الثاني المهاجر، ووضعه أفضل نوعاً ما بسبب مروره بالدول التي تحافظ عليه، إلا أنه يتعرض للصيد عندما يصل إلى الأراضي السورية.
تجربة الحماية لبنان والأردن:
يمتد هذا الخطر إلى دول الجوار، حيث يعاني طائر الحسون من عمليات الصيد الجائر هناك أيضاً، ففي لبنان، ينشط سعد روجيه في نشر التوعية حول حماية هذا الطائر، حيث يقول لـ”أثر” إن الحسون “طائر بري مكانه البرية ولا ينبغي أسره؛ إذ إن أغلب الطيور التي يتم الإمساك بها تموت سريعاً”، مضيفاً أن أسوأ أنواع الصيد هو سرقة الأعشاش في فصل الربيع، حيث يتم بيع العش مع بيضه أو الفراخ الصغيرة حديثة الفقس.
ويقول روجيه وهو إعلامي بيئي ومؤسس جمعية “ناشطون لحماية الحسون والطير البري”: “لابد من وضع حد للاتجار به والإمساك به في كل مناطق الشرق الأوسط لأنه مفيد جداً فهو يأكل المن وينظف الشجر وهو مهم جداً للبيئة، والمزارع يحبه جداً لأنه ينظف الأرض”.
يرى روجيه، “بأن الحماية الكبرى ستكون بتطبيق القوانين، إذ أن القانون اللبناني يمنع بشكل قاطع الصيد والاتجار بالطيور البرية وكذلك نزع الأعشاش”، ولهذا يشارك روجيه بمداهمات على المحلات المخالفة بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، فيحجزون الطيور المهربة أو التي تم صيدها من البرية، ثم يطلقونها في أماكن أمنة لتعود إلى الطبيعة.
ومن جانبه يوضح الناشط البيئي في لبنان أنطوان منصور لـ”أثر”، أنه منذ منتصف تسعينيات القرن الفائت، بدأت الهجمة على صيد الحسون وباتت مهنة من لا مهنة له، فالكل يريد صيده، بسبب سهولة ذلك وقلة التكلفة، وفي المقابل هذا الطائر مرغوب وله سوق وأرخص طائر يباع بـ20 دولار.
أمام هذه الهجمة، بدأ منصور بنشر الوعي بين الناس وتشجيعهم على ترك الحسون في البرية كي يستمر بالتزاوج والتكاثر، كما أسس صفحات على السوشال ميديا هدفها نشر التوعية حول هذا الطائر، ولم يستفد من كل ذلك، ولهذا يعمل بين الحين والآخر على إطلاق مجموعات من الحسون قام بتربيتها منذ سنوات وتكاثرت في منزله، ويصفها بأنها حساسيين برية أصلية ما زالت تملك صوت الحسون الجميل نفسه، ويأمل أن تتمكن هذه الحساسين -في حال بقيت على قيد الحياة- من إنجاب أجيال جديدة، تُعيد للبنان طائره الجميل.
ويأسف منصور من طريق تعامل الصيادين مع الحسون، ويصفه بأن طائر حساس وغالبية الطيور التي تقع في الأسر تموت بعد موت بسبب تعرضها لمرض الكوكسيديا القاتل، وغالباً ما يُصاب به الحسون بسبب تعرضه للفزع أو الخوف.
وفي الأردن، يخبرنا الدكتور فارس خوري أستاذ علم بيئة الحيوان في الجامعة الأميركية في مادبا، وهو مختص بالطيور ومؤسس مشارك للجمعية الأردنية لمراقبة الطيور، بأنه لا يمكن القول بأن الحسون اختفى بشكل كامل، إذ سُجل ظهور له ببعض المناطق بأعداد قليلة، ولكن بشكل عام تناقصت أعداد هذا الطائر بشكل كبير بعدما كان كثير الانتشار.
وبالنسبة لسبل حمايته في الأردن، يصف الدكتور خوري بحديثه مع “أثر” المبادرات لذلك بأنها فردية وخجولة، فضلاً عن وجود سوق سوداء للطيور تتاجر بكل ما يمنعه القانون، وكذلك الأمر عبر منصات السوشال ميديا.
حلول:
لا تختلف القوانين الصارمة في سوريا عن تلك المعمول بها في لبنان والأردن، فالقانون رقم 14 الناظم للصيد البري والصادر في أيلول من عام 2023، ينص في المادة 11 منه على أنه “يُمنع نزع الأعشاش أو إتلافها أو نقلها، كما يمنع إيذاء أو إتلاف بيوض أو فراخ الطيور أو صغار الحيوانات البرية، أو الاتجار بها”.
كما أن الفقرة د، من المادة رقم 7، تنص على: “منع حجز أو نقل الطرائد الحية من الطيور والحيوانات البرية إلا إذا كان ذلك بهدف تربيتها، وإكثارها، أو تحجيلها، أو بهدف البحث العلمي، وبموجب موافقة مسبقة تمنح من قبل المجلس الفرعي”، ويُسمح بموجب الفقرة أ من المادة نفسها الصيد باستخدام: “أسلحة الصيد النارية، والقوس، والنشَّاب، والكلاب السلوقية، وبوسائل الصيد الأخرى التي يصدر بها قرار من المجلس”، وهذا تأكيد على مخالفة الصيد باستخدام الدبق والشباك.
أسواق السوشال ميديا:
القوانين الملائمة هذه لا تترافق للأسف مع تطبيق فعلي، وتؤكد صفحات السوشال الميديا والأسواق ذلك، وهنا يقترح الناشط البيئي عرفان حيدر مجموعة طرق لحماية ما تبقى من الحسون، مثل مقاطعة تربيته في القفص، والعمل على إطلاق سراحه في الطبيعة إن أمكن الأمر، كما يقترح إتلاف الشباك وأعواد الدبق من قبل الناشطين البيئيين عند مشاهدتها، ومحاولة حماية أعشاش الحسون من أيدي اللصوص، بحسب ما أوضح لـ”أثر”.
محمية الحسون في سوريا:
وفي ريف طرطوس نجح شاب باستثمار هوايته القديمة في تربية الحسون، حيث أسس محمية كبيرة سماها محمية الحسون في سوريا، وتمكن اليوم من إنتاج الجيل السابع من الحساسين، ويوضح لـ”أثر” أن هذا النوع من مزارع الإكثار قانونية لأنها تتيح التمتع بجمال الحسون دون أخذه من البرية.
وفي هذه المحمية التي تأسست قبل حوالي السنتين يتحرك الحسون وكأنه في الطبيعة وينتقل على أغصان الأشجار، ويؤكد محمد على محبة الناس لهذا الطائر فالطلبات التي تصله تزيد عن قدرة مزرعته التي تنتج 600 فرخ خلال فترة التزاوج الممتدة من الربيع حتى الصيف.
وما يزال محبو طائر الحسون في المنطقة يأملون في أن تتوقف عمليات الصيد ولو لفترة، حتى يتمكن هذا الطائر المغرد من العودة إلى بيئته الطبيعية، حيث يملأ بصوته الجميل أجواء البرية من جديد.
مودة بحاح