في منتصف آب الفائت تباهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإعلان عن ماوصفه اتفاق “سلام” بين الإمارات والكيان الإسرائيلي برعاية أمريكية، لتحذو حذو الإمارات فيما بعد البحرين وأيضاً برعاية أمريكية، لكن سرعان ما بدأت تظهر تبعات هذه الاتفاقات في كل من دول المنطقة والداخل الإسرائيلي، خصوصاً فيما يتعلق بردات الفعل الرافضة لهذه الاتفاقيات والرفض “الإسرائيلي” لتزويد الإمارات بمقاتلات “إف 35” وغيرها من الملفات التي برزت المشاكل فيها بشكل واضح خلال أقل من شهر.
بالنظر إلى هذه الاتفاقيات بأطرافها الرئيسية الثلاثة، وهي دول الخليج والكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، ولمعرفة مستقبل هذه الاتفاقيات لا بد من الحديث عن واقعها وخلفياتها:
الولايات المتحدة الأمريكية:
من الواضح أن ترامب، يهدف إلى القيام بخطوات تدفع بالمخطط “الإسرائيلي” التوسعي إلى الأمام وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خصوصاً بعد فشل تطبيق أي بند من بنود “صفقة القرن” التي تم الإعلان عنها في منتصف 2019، وكما هو معروف ووفقاً لما أكده مسبقاً أعضاء كونغرس سابقون ومسؤولين أمريكيي، فإن “اللوبي الصهيوني” هو من يدير شؤون الولايات المتحدة، حيث نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية سابقاً عن السيناتور الأمريكي السابق بول فيندلي قوله: “إن أحد أصدقائه من الدبلوماسيين كان لا يجرؤ على إبلاغ وزير الخارجية بانتقاده للسياسات الإسرائيلية عبر القنوات الرسمية، خشية أن يتعرض للأذى”، وهذا الأمر أكده أيضاً تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية الذي نشرته بعد يوم واحد من الإعلان عن التطبيع بين البحرين والكيان الإسرائيلي وجاء فيه: “أهم أسباب إنشاء العلاقات هو رغبة الرئيس الأمريكي، بالتباهي بإنجاز دبلوماسي آخر يساعده في الانتخابات” مما يجعل كسب رضا “اللوبي الصهويني” أولوية لترامب في هذه المرحلة.
الكيان الإسرائيلي:
وفقاً لما نشره المسؤولون والصحفيون “الإسرائيليون” فمن الواضح أن صدى هذا الاتفاق كان سلبي جداً على “الداخل الإسرائيلي” حيث قال زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان: “تقدم في العلاقات مع الإمارات ليس بديلًا عن الميزانية وأزمة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية في البلاد”، وفي السياق ذاته، نقلت الكاتبة الإسرائيلية “نوعا لنداو”، بمقال نشر في صحيفة “هآرتس” العبرية رد فعل المستوطنين “الإسرائيليين” من هذا الاتفاق حيث قالت: “لا يشغل الجمهور الإسرائيلي، بما في ذلك صراعات مع أو ضد من النوع الذي تثيره اتفاقات سلام تاريخية، فهناك من أطلق مواقف ضد المبادرة نفسها، ولكن ليس هناك الكثير ممن تأثروا لدرجة ذرف الدموع” مضيفة “في الحقيقة فإن الأمر يتعلق بسلام في الوقت الذي لم تكن فيه أي حرب مع دولة لا توجد لها حدود مباشرة مع معنا، وفي حين أنه معروف للجمهور، أنه سبق وعقدت معها علاقات سرية متشعبة خلال سنوات كثيرة في عدة مجالات، كل ذلك يقلل من الهالة التي يريد قادة الاتفاقات منحها إياه”.
دول الخليج:
بالنسبة لدول الخليج العربي فإن الدافع الأكبر للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي هوالانصياع للأوامر الأمريكية للحفاظ على مناصبهم والحصول على المزيد من الامتيازات، أما رد فعل الشعبين الإماراتي والبحريني عن اتفاقات “السلام” فعبر العديد منهم على أن هذه السياسة لا تمثلهم، ونشروا العديد من الهاشتاغات التي أدوانو خلالها عن رفضهم لهذه الاتفاقيات، مثل “#التطبيع_جريمة، و #التطبيع_لا_يمثلنا” وغيرها.
وفي هذا الصدد أعرب بعض الخبراء في “الداخل الإسرائيلي” عن تخوفهم من حدوث انقلاب في الإمارات بعدما تزود الولايات المتحدة الأمريكية الإمارات بمقاتلات إف 35، حيث نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” مقالاً مطولاً عن هذا الأمر جاء فيه: “هناك حالة من القلق تسود الأجواء في تل أبيب، “من احتمال بيع وسائل قتالية متطورة للإمارات وعلى رأسها طائرات “أف35″ من الجيل الخامس ذات القدرات التملصية، ولا ينبع الخوف من أن تستخدم الإمارات الطائرة أو غيرها من العتاد العسكري ضد إسرائيل، بل من أن يبدأ سباق تسلح في المنطقة في إطاره تباع وسائل قتالية متطورة لدول أخرى، بشكل يسحق جداً التفوق النوعي لإسرائيل، وهناك تخوفاً آخر، لا يعبر عنه بشكل علني، هو أن يستبدل الحكم في الإمارات أو في غيرها”.
وفي سياق متصل، فإن أحد أهداف الكيان الإسرائيلي الأساسية من هذه الاتفاقيات هي تحميل دول الخليج مسؤولية الدفاع عن “إسرائيل” بوجه الدول المعادية للكيان المحتل وخصوصاً إيران، لكن من جهة أخرى فإن هذه الاتفاقيات تعني وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي في قواعد على السّاحل الغربي من الخليج وبالتالي سيكون ورقة في صالح إيران، لأنّ هذا الوجود سيكون في مرمى صواريخها وزوارقها الحربيّة، وربّما فِرَق الكوماندوز والضّفادع البشريّة الإيرانيّة أيضاً.
قدتبدو هذه الاتفاقيات بظاهرها على أنها من مصلحة الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط ويمكن أن تؤمن له استقرار وأمان، في حين أنه هذه الاتفاقيات تساعد من جهة أخرى على إحياء القضية الفلسطينية وتحذّر من مدى خطورة ما يقوم به الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ما يشير إلى أن هذه الاتفاقيات مهدت أرضية أمام الجهات المقاومة للكيان الإسرائيلي لإشعال شرارة حرب النهاية ضده، كما أثبتت أيضاً أنه في الوقت الذي تمكن فيه الكيان الإسرائيلي من التطبيع مع بعض الأنظمة العربية والتحكم بها لا يزال عاجزاً عن احتلال فلسطين بشكل كامل أو القضاء على حق العودة.
زهراء سرحان