أثر برس

العنصرية سرطان كرة القدم

by Athr Press M

تخلّى لاعبو المنتخب البرازيلي عن لباسهم الصفر وارتدوا اللباس الأسود في مباراتهم ضد المنتخب الغيني التي أقيمت قبل أيام وانتهت بفوزهم بأربعة أهداف لهدف وذلك تضامناً مع زميلهم فينسيوس جونيور لاعب ريال مدريد الذي وقع ضحية العنصرية في إسبانيا، والتي بلغت ذروتها في ملعب نادي فالنسيا نهاية الموسم الماضي، وخرج عندها اللاعب لاتهام إسبانيا بالعنصرية، وحظي بتعاطف واسع من الجماهير حول العالم، كما تصدر الاتحاد البرازيلي المدافعين عن النجم الشاب.

وجاء قرار المنتخب البرازيلي بعد يوم واحد من إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أن نجم المنتخب البرازيلي فينسيوس جونيور سيكون ضمن لجنة من الفيفا لوضع مقترحات بشأن مواجهة العنصرية في اللعبة.
وأكد المنتخب في تغريدة له، أنها خطوة مهمة في محاربة العنصرية، معلقاً: “دعونا ننتصر داخل الملاعب وخارجها.. كفى عنصرية في كرة القدم وفي المجتمع”.

وظل الـ”فيفا” والاتحادات الرياضية وعلى رأسها الدوري الإنجليزي الممتاز ونواديه يعملون من خلال اللوائح على معالجة العنصرية داخل الملعب وخارجه، وينادون بتعزيز المساواة والتنوع والشمول في جميع مجالات كرة القدم تحت توجيهات ورسائل صريحة “إذا رأيت تمييزاً تحداه، أبلغ عنه، قم بتغييره”، أملاً في أن تحد هذه التوجيهات من تفاقم هذه الظاهرة.

ومنذ حادثة مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد في 25 مايو (أيار) 2020 على يد أحد رجال الشرطة الأمريكيين أو بمصطلح أدق تحت ركبته، درّج لاعبو كرة القدم على الركوع على ركبة واحدة قبيل انطلاق المباريات، وحمل شعائر عدة للمساواة بين البشر منها “حياة السود مهمة”، و “لا للعنصرية” تضامناً مع حملة مكافحة العنصرية، التي تمثل مباريات كرة القدم أحد مسارحها.

الإدانة والشجب لايكفيان:

لا توجد حصانة دائمة ضد العنصرية التي تُمارس ضد لاعبي كرة القدم في البطولات المحلية أو بطولات كأس العالم، حتى مع اللوائح التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بفرض غرامات على الهتافات العنصرية من قِبل اللاعبين أو المدربين أو المشجعين ضد الفريق المنافس.

وتتوزع المسؤولية تجاه إدانة العنصرية في كرة القدم بين لوائح “فيفا” واتحادات كرة القدم الدولية والمحلية، ولا تستثنى وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر مرتعاً خصباً للهجوم العنصري ضد لاعبي كرة القدم من دون إدانة قوية وواضحة، وفي الواقع لم تبدِ الشركات المسؤولة عن منصات وسائل التواصل الاجتماعي مسؤوليتها الكاملة لاستخدام مساحاتها التي تختلط فيها حرية التعبير عن الرأي، بالإهانات العنصرية وغيرها من التجاوزات.

وعليه فإن الرقابة على هذه الوسائل يعهد بها إلى قوانين المعلوماتية الدولية والمحلية، التي تواجهها عقبات أيضاً للوصول إلى أصل الوقائع والتحقق من الأشخاص الذين يرتكبونها تحت أسماء مستعارة.

في 21 آذار من كل عام، ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، تجدد “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” إدانتها للعنصرية في الرياضة، بأن “أي رياضة خصوصاً كرة القدم، يمكن استخدامها لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري”.

ولكن كرة القدم تكشف عن جزء فقط من الديناميات الإنثية والعنصرية التي تتفاعل في مجتمعات مختلفة على مستوى العالم، فإذا كانت العنصرية تمارس في هذه المجتمعات طبيعياً ومن دون قوانين حاسمة، سوى الشجب والإدانة، فلماذا يتوقع أن يكون هنالك مكان أكثر مثالية حتى لو كان ملاعب كرة القدم.

أبرز حالات العنصرية التي تعرّض لها اللاعبون:

في عام 1989، عاد حارس المرمى الكاميروني جوزيف أنطوان بيل إلى فريقه القديم جيروندان بوردو، بعدما احتل موقع حارس مرمى نادي أولمبيك مرسيليا من 1985 إلى 1988، في وقتٍ كان التنافس بين مرسيليا وبوردو في ذروته، وفي المدرّجات، تلقى أنطوان بيل لقاء سيئ للغاية، إذ تعرّض للرشق بالموز من أنصار مرسيليا.

ولم يكن لدى ماريو بالوتيلي الوقت الكافي لإبراز قدراته الكاملة في الدوري الإيطالي مع إنتر ميلان، إذ أصبح ضحية لإهانات عنصرية متكررة في نفس العام الذي حصل فيه على استدعاء من Squadra Azzurra، استُهدف من قِبل أنصار يوفنتوس خلال رحلة إلى تورين، إذ ردد الجمهور الحاضر عدة عبارات عنصرية، على سبيل المثال، “لا يوجد إيطاليون سود”، ومرة أخرى بعد ثلاثة مواسم في إنجلترا، عاد بالوتيلي إلى إيطاليا بألوان ميلان، وتم استُهدف مرة أخرى، هذه المرة من قِبل أنصار روما، حتى أن الحكم، في تلك المباراة، قرر توقيف المباراة مؤقتاً، وأصدر تعليمات لمذيع الملعب لتهدئة الأنصار، واستؤنفت المباراة ولم يستوعب بالوتيلي ذلك، إذ صرح، “كنت أقول لنفسي دائماً إنه إذا حدث ذلك في الملعب، فسأتصرف كما لو لم يقل أحد شيئاً، كما لو أنني لا أهتم؛ لكن هذه المرة غيّرت رأيي قليلاً إذا حدث ذلك مرة أخرى، فسأخرج من الملعب؛ لأن هذا الأمر تافه”.

وتزداد الأوضاع سوءاً في إيطاليا، فلم يسلم أي موسم من الأعمال العنصرية في المدرجات، وغالباً ما يتكرر نفس النمط: أغاني عنصرية ضد لاعبين سود، فهناك لاعبين تلقوا إنذارات وطردوا من الملعب بمجرد الرد على هذه الهتافات العنصرية مثل ما حدث مع الغاني سولي على مونتاري في مايو 2017.

وفي 2018، تعرّض لاعب الكرة القدم السنغالي كاليدو كوليبالي، لصرخات القرود عدة مرات، خلال مباراة نابولي ضد إنتر ميلان. كما طُرد اللاعب في الدقيقة 81، بعد تلقي بطاقتين صفراوين في دقيقة واحدة: الأولى لخطأ، والثانية لتصفيق على الحكم بسخرية، وردَّ اللاعب، في نهاية المباراة، على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ كتب: “أنا آسف للهزيمة وخصوصاً للتخلي عن إخوتي؛ لكني فخور بلون بشرتي، وبكوني فرنسياً، سنغالياً، نابولياً: أنا فخور أني رجل”.

وفي البرتغال سافر المهاجم موسى ماريجا إلى غيماريش مع نادي بورتو في فيفري 2020، وفي أثناء المباراة تلقى هدّاف المباراة هتافات عنصرية وصرخات القردة، بعدما شعر بالغضب والاشمئزاز، قرر المهاجم عدم مواصلة المباراة على الرغم من إصرار زملائه.

في عام 2014، شهدنا حادثة مشينة في إسبانيا، إذ قام أحد المشجعين في نادي فياريال برمي موزة على اللاعب البرازيلي السابق داني ألفيش، في أثناء قيامه بتنفيذ ضربة ركنية في مباراة مع فريق برشلونة، وكانت ردة فعل ألفيش تحمل الكثير من الاستهزاء، إذ قام بالتقاط الموزة وتناولها، ثم استكمل تنفيذ ركلة الركنية؛ ولكن لم ينجِ النادي المعروف بـ “الغواصات الصفراء” من العقوبة، إذ فُرض عليهم غرامة مالية قدرها 12 ألف يورو.

وتعرّض الأسطورة الكاميرونية صامويل إيتو للعنصرية عندما كان يلعب في صفوف برشلونة الإسباني، فبينما كان يخوض مباراة مع فريقه ضد ريال سرقسطة في 2006، خرج من الملعب بعد الهتافات ضده.

ولم يسلم أسطورة تشيلسي الإنجليزي والمنتخب الإيفواري ديديه دروغبا من موجة العنصرية تلك، إذ رافقت مبارياته في الدوري الإنجليزي تقليد المشجعين لأصوات القردة، وتم رفع الموز في وجهه بالدوري التركي حينما كان يلعب لصالح غلطة سراي.

ونال الإيفواري لاعب كريستال بالاس ويلفرد زاها نصيباً من العنصرية، إذ تتعالى صافرات الاستهجان والعبارات المسيئة مع كل كرة يلمسها، وهو ما اعتبره اللاعب مستفزاً ويفتقر للاحترام.
في 2023، تعرّض صمويل أومتيتي، مدافع ليتشي الفرنسي، وزميله الزامبي لاميك باندا، لصرخات عنصرية من جماهير لاتسيو روما، اضطر حكم هذه المباراة التي فاز بها ليتشي (2-1) لإيقافها لحظات قليلة في الشوط الثاني، وذكرت وسائل إعلام إيطالية أن أومتيتي غادر الملعب وهو يبكي في نهاية المباراة وسط تصفيق حار من جمهور فريقه ليتشي.

وشهدت روسيا واقعة عنصرية شديدة، إذ رفضت جماهير فريق زينيت بطرسبرج الروسي وجود لاعب أسمر البشرة في النادي الذي تدعمه مع استقدام البرازيلي مالكوم من صفوف برشلونة.

وواجه بول بوجبا العنصرية عندما كان يلعب لصفوف مان يونايتد، حين أهدر ركلة جزاء أمام ولفرهامبتون فانهالت عليه الهتافات العنصرية، وأصدر النادي حينها بياناً يستنكر فيه ما حدث.

وكان رد البرازيلي هالك على من صدرت عليهم تصرفات عنصرية ضده من أجمل المواقف التي سُجلت في دفع هذا السلوك، فعندما كان يلعب ضمن صفوف بورتو البرتغالي وأخذ جمهور المنافس يرددون صوت القردة أحرز هدفاً من مسافة بعيدة، فتحول من انتقدوه إلى مصفقين له.

هل تكون حادثة فينسيوس رادعاً للعنصريين:

وقد أثارت الإهانات العنصرية الموجهة ضد جناح فريق ريال مدريد، اللاعب البرازيلي فينيسيوس جونيور، ذكريات مؤلمة للمواقف العنصرية التي تحدث في ملاعب كرة القدم.

فخلال مباراة فريقه ريال مدريد ضد فالنسيا في الدوري الإسباني، تعرّض فينيسيوس لهتافات عنصرية مهينة من قِبل بعض الجماهير، على الرغم من هذه الإهانات، قرر فينيسيوس أن يتجاهلها ويظل رافضاً السقوط في فخ الإهانة، ومع ذلك انتهت المواجهة بتلقيه البطاقة الحمراء، مما زاد من استيائه وخيبة أمله.

ما أثار الدهشة والاستياء أكثر هو عدم تدخل رابطة الدوري الإسباني والأجهزة الأمنية بشكلٍ فعال لحماية اللاعب من الإهانات العنصرية، فتكررت تلك الهتافات ضد فينيسيوس وتعرّض اللاعب للظلم المتكرر من دون حماية كافية.

هذه الحادثة تسلط الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد العنصرية في كرة القدم، سواء من قِبل الأندية أو الاتحادات الرياضية أو الجهات الأمنية.

هل تتحول العنصرية لسرطان لا دواء له:

من الممكن أن يحدث ذلك ويصبح العلاج صعباً وربما لن ينفع معه البتر إن استمر الحال على ما هو عليه وتتحول العنصرية من مشكلة في كرة القدم إلى كارثة في المجتمع ونعود لقرون مضت إذ كانت العنصرية داء في بعض المجتمعات حولت أصحاب البشرة الملونة لعبيد يُعامَلوا بأسوأ ما يُعامل أي كائن وعليه فإنه يجب محاسبة الجناة بأقسى العقوبات حتى يكون ذلك رادعاً للجميع ويعود الصفاء والنقاء للعبة الشعبية الأولى ونقضي على الشر من جذوره.

محسن عمران || أثر سبورت

اقرأ أيضاً