يتداول ناشطو المعارضة نبأ يتحدث عن “ارتفاع جنوني” في أسعار بعض المواد المعيشية ولاسيما الغذائية داخل مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شتى مناطق الغوطة الشرقية.. الارتفاع هذا لم يأت عن عبث، وإنما بعد سيطرة القوات السورية على إحدى الأنفاق الاستراتيجية التي تربط أحياء الغوطة الشرقية بالعاصمة دمشق، وهنا يطرح السؤال نفسه، ما السر وراء هذا النفق؟
“نفق الرحمة”.. استراتيجياً
منذ 3 أيام تقريباً، تمكنت القوات السورية من السيطرة على عدد من الأنفاق الاستراتيجية الواقعة بين حيي القابون وبرزة، على رأسها نفق يحمل اسم “الرحمة”، إذ يبلغ طوله 1170 م تقريباً ويقع بالقرب من جامع الحسين في شارع الحافظ، فضلاً عن أنه يعتبر نفق حربي بامتياز ولاسيما مع تواجد عدد من المتاريس والتحصينات التي كان قد أنشأها مقاتلو المعارضة داخله.
تجار حرب أم مقاتلين!
لا تقتصر وظيفة “نفق الرحمة” على مساندة مقاتلي المعارضة في العمليات القتالية فحسب، وإنما كانت وظيفته الرئيسية تكمن في تهريب الأغذية والمواد التجارية إلى داخل أحياء الغوطة الشرقية، وذلك بالتنسيق مع تجار وُصفوا من قبل مصادر أهلية بأنهم “استغلاليين”، كانوا يحتكرون البضائع ويمنعون تداولها إلا بشروط معينة ولعائلات محددة تحت إشراف الفصائل المعارضة.
المصادر ذاتها قالت: “لا نستيطع الحصول على كافة المواد، فبعضها لا يباع إلا لعائلات مقاتلي المعارضة، وإذا أردنا الحصول عليها فعلينا دفع مبالغ طائلة تصل إلى 3 أضعاف سعرها الطبيعي”.
خط تهريب “نفق الرحمة” الذي يحتكره مقاتلو المعارضة بالتنسيق مع التجار كان يساهم في وصول 50% من المواد إلى شتى مناطق الغوطة الشرقية، بداية من القابون إلى عربين وصولاً إلى دوما وباقي المناطق.
سقط القناع عن القناع.. والضحية “مدنيون”
أبو ياسين -رجل خمسيني يقطن في مدينة دوما ويعمل فلاحاً- يتحدث قائلاً: “الحرب ما عم ترحمنا، عم نحارب بعض بلقمة الأكل، كل واحد عندو مجموعة مقاتلين بشكل عصابة وبصير يتحكم فينا”، يتابع: “جارنا قائد مجموعة بجيش الإسلام، فاتح لإبنو سوبر ماركت ونص البضاعة مو متواجدة غير عندو، والأسعار نار، لا حسيب ولا رقيب”.
يبدو أن إغلاق “نفق الرحمة” كشف ما كان يُحاك في الظل بين التجار ومقاتلي المعارضة سابقاً وحتى اللحظة، إذ أن سابقاً كان الحال يتلخص بعبارة “من يدفع أكثر يحصل على ما يريد”، أما الحال الآن بات يتلخص في عبارة: “احتكار البضائع الآن يجني الثروة في ما بعد”.
وبالحديث عن احتكار البضائع، قال ناشطون معارضون إن سعر كيلو السكر وصل اليوم إلى 17000 ل.س، كما وصلت سعر علبة الدخان الواحدة إلى 6000، فضلاً عن وصول أسعار الخضراوات “البطاطا، البندورة، البصل” إلى حد الـ 7500 ل.س وما فوق.
الناشطون ذاتهم حمّلوا فصائل المعارضة مسؤولية ما يحدث، متنبئين بمجاعة مرتقبة ناجمة عن احتكار الفصائل للبضائع والتحكم بالحياة المعيشية، وذكروا عبر تغريداتهم أن هناك عدد من الأشخاص يعملون في صفوف المعارضة ويمتهنون التجارة في الوقت ذاته، يحتكرون البضائع بغية طرحها في ما بعد بأسعار عالية جداً، واصفين ذلك بأنه “استغلال صريح لحاجة الناس”.
“راحت الحيلة والفتيلة”.. لسان حال الفصائل المعارضة!
الآن، وبعد سيطرة القوات السورية على النفق المذكور، أغلق مورد تجاري هام كانت تعتمده الفصائل المعارضة في سنوات الحرب السابقة، الأمر الذي سيدفع الفصائل إلى اتباع أساليب جديدة لجني الأموال، مثل احتكار البضائع وغيرها، وربما سنكون على موعد مع تصعيد إعلامي ينقل “حالة من الجوع تصل إلى حد المجاعة” بغية اتهام السلطات السورية وتحميلها مسؤولية ما يحدث.
يذكر أن “نفق الرحمة” استخدم أيضاً لنقل العديد من المخطوفين الذين وقعوا في أسر الفصائل المعارضة خلال المعارك مع القوات السورية، ليكشف فيما بعد أن أغلب هؤلاء المخطوفين يتم الزج بهم داخل ما يسمى “سجن التوبة” الكائن في دوما.