أثر برس

كتب زياد غصن.. خارج أنظمة الدولة بالكامل: المصارف العامة على خطى “السورية للاتصالات”!

by Athr Press M

 زياد غصن || خاص أثر برس

ناقشت الحكومة مؤخراً مسودة قانون جديد يهدف إلى إعادة هيكلة المصارف العامة القائمة، ووضع نظام جديد لتأسيس المصارف العامة محوره إخراج هذه المصارف من سلطة القوانين والأنظمة المطبقة على القطاع العام، وإخضاعها لقانوني الشركات والتجارة، كما هو حال الشركة السورية للاتصالات.

 

ووفق مسودة القانون الذي حصل موقع “أثر برس على نسخة منه، فإن المادة الأولى تنص على “إحداث مصارف عامة في الجمهورية العربية السورية بموجب هذا القانون على شكل شركات مساهمة مغفلة تملك الدولة، ممثلة بالخزينة العامة “كامل أسهمها”، على أن تخضع وفق ما جاء في المادة الثالثة لقانون الشركات وقانون التجارة ما لم يرد خلاف ذلك في هذا القانون، كما وتخضع لرقابة وإشراف مجلس النقد والتسليف ومصرف سوريا المركزي وفقاً لأحكام القانون رقم 23 لعام 2002 وتعديلاته.

 

تتعزز أكثر استقلالية المصارف العامة المحدثة من خلال مضمون المادة السادسة، والتي نصت على إقرار نظام العقود ونظام العمل والعاملين بقرار من رئيس مجلس الوزراء بعد اعتمادها من الهيئة العامة، كما يتولى مجلس إدارة المصرف وضع النظام المالي والمحاسبي مع مراعاة تعليمات مجلس النقد والتسليف.

 

وأناطت المادة الثامنة بالمصارف العامة إعداد بياناتها وفقا لمعايير المحاسبة الدولية والمعايير الدولية لإعداد القوائم المالية، على أن تخضع حسابات وأعمال المصارف العامة للتدقيق من قبل مدقق حسابات خارجي يتم تعيينه من قبل الهيئة العامة للمصرف.

 

من حيث المبدأ، يعتبر الأستاذ الجامعي الدكتور حسين القاضي وزير الصناعة الأسبق فكرة مشروع القانون “خطوة جيدة من شأنها تخليص المصارف العامة من الأنظمة والقوانين المقيدة لعمل مؤسسات الدولة والروتين القاتل فيها، إذ أن الإشراف على عمل المصارف العامة يصبح أكثر مرونة، كما أن القوانين التي تنظم عملها تصبح أكثر تحديداً، فهي تخضع فقط لقانون الشركات إضافة إلى إشراف البنك المركزي، وهذا يجعل من تطوير المصارف المملوكة للدولة عملية متاحة بخلاف وضعها الراهن”.

 

ويضيف البرفسور القاضي في حديثه لموقع “أثر برس” أن “نجاح الخطوة مرهون بالتطبيق والالتزام بما ينص عليه القانون عند صدوره، ومن الضروري أن يتم تعميم التجربة على جميع مؤسسات وشركات القطاع العام التي تبقى ملكيتها للدولة بالكامل، لكن إداراتها تتم بطريقة مختلفة وبما يخدم أهدافها”.

 

*مشروع تخطيط الدولة!

 

يتعامل مشروع القانون مع إدارة المصرف العام كما هو حال المصرف الخاص، إذ يتولى إدارة المصرف العام مجلس إدارة والرئيس التنفيذي. وحسب المادة العاشرة فإن أعضاء مجلس إدارة المصرف ينتخبون من قبل الهيئة العامة وفق أحكام نظامه الأساسي، والمحددة مؤهلاتهم والشروط المطلوب توفرها لديهم حسب معايير الملاءمة والمطابقة الصادرة عن مصرف سوريا المركزي وتصدر الموافقة على ترشيحهم من مصرف سوريا المركزي.

 

وحتى في التعويضات والمكافآت، فإن المشروع ترك الأمر للنظام الأساسي للمصرف الذي يفترض أن يتضمن طريقة تحديد المكافآت السنوية لأعضاء مجلس الإدارة على ألا تزيد هذه المكافآت على 5% من الأرباح الصافية، وكذلك طريقة تحديد المكافآت السنوية للعاملين في المصرف وفق قواعد واضحة لتقييم الأداء على ألا تزيد هذه المكافآت على 5% من الأرباح الصافية. كما وتحدد الهيئة العامة للمصرف بدلات الحضور والمزايا الأخرى لأعضاء مجلس الإدارة في ضوء نشاطات المصرف وفعالياته.

 

في تعليقه على مشروع القانون، يشير قاسم زيتون المدير العام السابق للمصرف الصناعي الحكومي إلى أنه “في العام 2018 تمت مناقشة مشروع قانون خاص لإدارة المصارف العامة في المجلس الاستشاري التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وكنت حينها ممثلاً عن المصارف العامة في المناقشة، لكن هيئة تخطيط الدولة تحفظت على المشروع المذكور، معتبرة أن المشروع الأفضل يكمن في تحويل المصارف العامة إلى شركات مساهمة مملوكة أسهمها بالكامل من قبل الدولة، والمصارف لم توافق في حينها على ذلك بسبب فشل تجربة مؤسسة الاتصالات”.

 

ومع الأخذ بعين الاعتبار عدم وضوح بعض التفاصيل الهامة من قبيل كيفية انتخاب الهيئة العامة للمصارف العامة، والتي عادة ما يجري انتخاب أعضائها في الشركات المساهمة من أصحاب الأسهم، فكيف سيكون الحال مع ملكية الخزينة العامة لكامل الأسهم في المصارف العامة المحدثة بموجب هذا القانون، فإن زيتون يعتقد في حديثه إلى موقع “أثر برس” أن تجربة مؤسسة الاتصالات “ستعاد في المصارف العامة، ولن تكون النتائج على المستوى المأمول لأننا أمام حالة مشوهة وأسلوب إدارة فريد من نوعه بعيداً عن أسلوب إدارة الشركات المساهمة لتبقى هيمنة الحكومة والجهات الوصائية واضحة وراسخة ويصعب التنازل عنها لسببين: الأول عقلية الحكومة الممانعة لمنح الاستقلالية للمؤسسات العامة، وثانياً عدم الثقة في إدارة هذه المؤسسات من دون أن يكون هناك وصاية مباشرة”.

 

وقبل أن يختم حديثه يطرح زيتون تساؤلاً هاماً وهو: لماذا الإصرار على عدم فصل ملكية الدولة عن الإدارة فعلياً؟ ولماذا لا نعطي مجالس إدارات المصارف الصلاحيات والميزات نفسها الممنوحة للمصارف الخاصة حتى تتمكن من المنافسة وتحقيق الأرباح؟ بالعودة إلى نص مشروع القانون، فإن الرئيس التنفيذي للمصرف العام يعين بقرار من مجلس الإدارة، ويحدد فيه أجره وتعويضاته وفق نظام العمل والعاملين الخاص بالمصرف على أن يكون من أصحاب الخبرة المصرفية وأن يحقق معايير الملاءمة والمطابقة المعتمدة من قبل مصرف سوريا المركزي.

 

أما فيما يتعلق بمصير العاملين الحاليين في المصارف العامة، فقد أشارت المادة السادسة عشر إلى أن جميع العاملين في المصرف العام القائم بتاريخ تعديل شكله القانوني وفقاً لهذا القانون منقولين حكماً إلى المصرف العام المحدث بموجبه ويخضعون لنظام العمل والعاملين الخاص بالمصرف. وأجاز المشروع للعاملين الراغبين بالاستمرار بالعمل وفق أحكام قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم 50 لعام 2004 التقدم بطلب للانتقال إلى جهات عامة أخرى خلال المدة الانتقالية المحددة في هذا المشروع والبالغة سنتين لتوفيق المصارف القائمة أوضاعها وفقاً لأحكام القانون الجديد. وهي الآلية نفسها التي طبقت في الشركة السورية للاتصالات.

 

*التدخل الحكومي!

 

تنص المادة السابعة عشر بصراحة على أن المصارف المحدثة بموجب هذا القانون لا تخضع لأحكام القانون رقم 50 لعام 2004، القانون 51 لعام 2004، القانون رقم 2 لعام 2005، والمرسوم 490 لعام 2007. وكما ويسقط مشروع القانون ولاية الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية على المصارف العامة المحدثة موجب هذا القانون على أن يتم معالجة تقارير الجهتين الرقابيتين عن الفترة التي تسبق قرار إحداث المصارف القائمة بتاريخ صدور هذا القانون من قبل الهيئة العامة.

 

وسمح المشروع للهيئة العامة الطلب من الجهاز المركزي للرقابة المالية تدقيق حسابات المصرف وفقاً لمعايير التدقيق الخارجي الدولية، ولكل سنة مالية على حدا.

 

كثيرون يرون أن عملية إعادة هيكلة المصارف الحكومية لا تكمن فقط في تغيير أنظمتها وتشريعاتها وآليات عملها، وإنما في منح إداراتها القادمة الاستقلالية الكاملة بعيداً عن التدخل الحكومي بأشكاله المختلفة، والذي إلى الآن لايزال حاضراً بصورة أو بأخرى في التجربة النموذج “الشركة السورية للاتصالات”، وتالياً فإن عدم التدخل الحكومي في عمل المؤسسات المصرفية القادمة سيبقى أمراً مشكوكاً فيه حتى يثبت العكس.

 

وبحسب ما يشير الدكتور جمعة حجازي مدير المرصد العمالي للدراسات والأبحاث فإن هناك جملة تساؤلات تثار حول مشروع القانون رغم أهمية ما ورد فيه، منها مثلاً ما يتعلق بالمبررات التي دفعت الحكومة لاختيار هذا الشكل من دون غيره، بمعنى هل تحويل المصارف العامة إلى شركات مساهمة مغفلة سيساهم فعلاً في تخليص تلك المصارف من الأعباء الإدارية التي تعوق عمله، كيف يمكن التحقق من ذلك، وماهي المعايير التي يجب أن تتبع في التقييم؟ ثم هل ستبقى المصارف العامة بعد إعادة هيكلها وفق مشروع القانون المطروح تحتفظ بالمزايا الاحتكارية الممنوحة لها حالياً من توطين رواتب العاملين في الدولة وتمويل بعض المشاريع التنموية وغير ذلك؟ وماذا عن الدور الاقتصادي الاجتماعي الذي لطالما لعبته المصارف الحكومية، هل ستتخلى الدولة عن الدور الاجتماعي للمصارف العامة؟

 

ويضيف الدكتور حجازي قائلاً : “ألا ليس من المنطقي اختيار طريقة التحول التدريجي بدل التحول بالصدمة كما حدث مع مؤسسات الاتصالات، والتي لم تقيم تجربتها حتى الآن، بحيث يمكن اللجوء إلى تطبيق مشروع رائد على أحد المصارف العامة لتقييم التجربة أولاً بدل الانتقال الكلي لشكل إداري جديد لم يتم تقيمه في أي مؤسسة مشابهة، لاسيما وأن قرار التحول لم يستند إلى دراسات مستفيضة من قبل شركات دراسات وتقييم. وفي حال وجود مثل ذلك التقييم أو الدراسة لابد من عرضها على المؤسسات والجهات المرجعية للاطلاع عليه وإبداء الملاحظات”.

 

ويخلص إلى نتيجتين، الأولى أنه هناك ليس أي هدف اقتصادي تنموي في المصارف المقترحة، سوى المرونة في العمل واتخاذ القرارات الحيادية الربحية، وحتى هذا هو غير مؤكد التحقق لأسباب عدة. والثانية أنه لماذا لا تطبق أحكام مشروع القانون هذا على المنشآت والمؤسسات الحكومية الإنتاجية المتعثرة أو الخاسرة؟ ولماذا تم اختيار التطبيق ليكون على المصارف، والتي هي رابحة والحصول فيها على المكافآت والمزايا أضمن من دون بذل جهود استثنائية!

اقرأ أيضاً