أثر برس

بعد أن غيبها الغلاء.. هل تعيد برك السقاية السمك لموائد السوريين؟

by Athr Press G

خاص || أثر برس “أتناول السمك في السنة مرة، وأحياناً لا أتذوقه طوال العام، وفي أفضل الأحوال قد أحصل على هذا الصنف من السردين أو التونة المعلبة”، بهذه الكلمات يتحدث “أحمد” وهو رب أسرة مقيم في دمشق، حول غياب وجبة الأسماك عن مائدته.

ويقول في حديثه مع “أثر” إن السمك من الأصناف المرتفعة التكلفة، ما أخرجها عن قائمة مأكولاته التي غاب عنها بالأصل الكثير من الأصناف، ولا يختلف كلام أحمد عن كلام غالبية السوريين بمن فيهم سكان المناطق الساحلية نفسها، حيث افتقدوا هذا العنصر، وتدنت حصة الفرد السنوية من الأسماك.

في محاولة لحل هذه المشكلة، توجهت الأنظار لتأسيس مزارع الأسماك الأسرية التكاملية العضوية، عبر استثمار وجود برك المياه الصغيرة المخصصة لسقاية المزروعات والموجودة أصلاً لدى المزارعين، وهنا يشرح مدير فرع المنطقة الساحلية في الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية الدكتور علاء الشيخ أحمد في حديثه لـ”أثر برس”، أن الفكرة تقوم على وضع هذه الأسماك في برك الماء هذه لتنمو وتتكاثر.لا يتوفر وصف للصورة.

ويضيف الدكتور علاء: “وزعت الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية إصبعيات الكارب كمنحة على عدد كبير من المزارعين في محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وحماة ودمشق وغيرها بشكل مجاني، وأرادت الهيئة من ذلك نشر ثقافة تربية الأسماك للحصول على فوائد عديدة، في إطار تجربة تعمل وزارة الزراعة السورية عليها لتعميمها لاحقاً على أغلب مالكي أحواض السقاية”.

انطلق المشروع عام 2018، وكانت البداية مرحلة تجريبية إذ اختارت الهيئة 9 مزارع فقط في ريف جبلة، وبلغ عدد الإصبعيات 2500 وزعت مجاناً مع الإشراف الفني عليها من قبل الهيئة، وكانت النتائج مشجعة وجيدة جداً إذ تراوحت أوزان الأسماك بنهاية مدة التربية بين 350-500 غرام، وبلغ مجمل الإنتاج لهذه المزارع التسعة 1 طن، بحسب الدكتور علاء.

ويتابع: الهيئة كررت التجربة عام 2019 ووزعت 46 ألف إصبعية على 292 مستفيد وحققت إنتاج بلغ 16 طناً، وزاد عدد المستفيدين عام 2020 إلى 664 شخص حصلوا على 95 ألف إصبعية أنتجت 38 طن من الأسماك، واستمرت الأعداد بالتزايد حيث بلغ عدد أحواض السقاية عام 2023 نحو 1359 حوض وزعت عليها الإصبعيات السمكية من إنتاج مزارع الهيئة العامة للثروة السمكية والأحياء المائية والتي بلغت 201100 من إصبعيات الكارب، ونجح أصحابها بتحقيق 85 طن من الأسماك ذات الحجم التسويقي الجيد.

ويرى الدكتور علاء أن هذه الخطوة تسهم في فائدة مزدوجة، فإضافة لتأمين الأسماك والبروتين السمكي لمستهلكي هذه الأسماك ودخل مالي إضافي للمربين، فهي تفيد الزراعة أيضاً، من خلال تراكم المواد العضوية الناتجة عن فضلات الأسماك، خاصة المادة الآزوتية التي تزداد في المياه وبالتالي تقدم تغذية جيدة للنباتات عندما تسقى منها ويزداد الإنتاج النباتي. لا يتوفر وصف للصورة.

وبرأيه، عند تعميم التجربة ستنتشر ثقافة تربية الأسماك بين الأهالي ويشجعهم ذلك على إقامة مزارع سمكية كبيرة بمساحات كبيرة وبالتالي تأمين الغذاء الصحي لهم، وأيضاً تأمين دخل إضافي لهم، ويقول: “يمكن أن يصل إنتاج المتر المكعب الواحد في أحواض السقاية إلى 1كغ أو أكثر لكونها تربية ليست مكثفة، وبالتالي يمكن أن يتراوح إنتاج مزرعة أسرية مساحتها 250 متراً مكعباً بين  250 – 500 كغ، مشيراً إلى أن متوسط السعر الرائج لكيلو سمك الكارب حالياً بالأسواق يتراوح بين 60 – 70 ألف ل.س”.

وعن سبب اختيار الكارب بالذات لهذه المبادرة، أوضح الدكتور علاء بأن هذا النوع يتحمل البرودة، إذ إن من أهم شروط نجاح التجربة وجود مصادر مياه متجددة وهذه المصادر تكون عادة في المناطق الجبلية المرتفعة، وبالتالي درجة الحرارة فيها منخفضة عن بقية المناطق وتعتبر باردة خلال الشتاء.

وتابع مدير فرع المنطقة الساحلية للثروة السمكية، بأن من الصفات الأخرى لهذا الصنف هو القدرة على تحويل الغذاء إلى زيادة وزن بشكل سريع (سرعة النمو)، فضلاً عن تحمله للأمراض.

نجاحات وإخفاقات:

“إبراهيم إسكاف” من قرى صافيتا، قرر خوض غمار هذه التجربة بالفعل، فهو يملك حفرة في أرضه طولها 15 متر وعرضها 4 متر، ممتلئة بالماء بشكل دائم كونه يستخدمها للسقاية، فقرر استغلالها ووضع السمك بداخلها، وحصل على 200 فرخ كارب من الهيئة العامة للثروة السمكية، وأطلقها في بركته، ولتغذيتها اعتمد على بقايا الأغذية الزائدة عن استهلاك الأسرة وبعض المواد العلفية المتوفرة.

ويؤكد إبراهيم في حديثه لـ”أثر برس”، أن التجربة ليست سهلة وتحتاج لعناية وانتباه شديدين من ناحية الطعام ونظافة المياه، بالإضافة لدرجات الحرارة، ولهذا يصف نجاح تجربته بأنه متوسط، إذ خسر قسم من الأسماك خلال فترة الحر وبسبب بعض الأخطاء التي اقترفها، ولكن لم يمنع ذلك من نمو جزء آخر من الأسماك بشكل جيد بحيث أصبحت مناسبة للأكل والتجارة.

ويلفت إبراهيم إلى أن هذه البركة تلبي حاجة أسرته من السمك بشكل مستمر، وبعدما كان السمك طبق قليل الحضور في حياتهم أصبح ضيفاً دائماً، كما أنه نجح بتحقيق مرود إضافي له من خلال بيع الأسماك.

وفي الحديث عن معوقات التجربة وضرورة الانتباه للأكل، ذكر “صالح عباس” من ريف طرطوس، بأن تجربته لم تحقق العائد المطلوب منها لعدم انتباهه بشكل كافي لمصدر الطعام فكان يقدم للأسماك بقايا طعام المنزل المتوفرة فقط، لكن رغم ذلك أنتجت مياه مليئة بالمواد الآزوتية انعكست إيجابياً على زراعته بزيادة الإنتاج، وزادت من محاصيله، كما اكتسب قسم من الأسماك وزناً وحجماً فأصبح غذاءً لأسرته.

ويلفت أصحاب التجربة إلى أن الأسماك التي تربت في أحواض المزرعة، اكتسبت طعماً أفضل من تلك التي تباع عادة، حتى أن لونها من الداخل شديد البياض، وهو دليل على نظافة المياه التي تربى بها السمك.

مودة بحاح

اقرأ أيضاً