أبو علاء صاحب الخمسة وستين عاماً لديه ثلاثة أولاد، يعيش هو وزوجته وابنيه وابنته في غرفة متواضعة ومصدر رزقة “بسطة” صغيرة يبيع عليها ما تيسر له، ليجني قوته اليومي منها بالإضافة إلى ما يجنيه ولداه من عملهما، لكن في ظل كورونا فلا وجود لا لبسطة ولا لعمل، وبالتالي لا مصدر رزق لهذه العائلة.
وعند حديثنا مع أبو علاء عن واقعه المعيشي في ظل تفشي كورونا وأساليب الوقاية الواجب اتباعها من تعقيم وتنظيف قال: “يعني إزا معي مصاري والله يا بنتي ما حاشتري كمامة، حاشتري كيلو لبنه لعيلتي”.
أبو علاء هو واحد من ملايين الأشخاص الذين فقدوا مصدر رزقهم نتيجة الحجر الصحي المفروض عليهم بسبب تفشي وباء كورونا، والمنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية العالمية، تُنذر بأن فايروس كورونا سيتسبب بارتفاع تعداد الفقراء بشكل جنوني لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا السياق نشرت منظمة “أوكسفام” الخيرية تحذيراً من أن أكثر من نصف مليار إنسان قد تنحدر أوضاعهم المعيشية إلى ما دون خط الفقر”.
ووفقاً لما نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية فإن تقديرات “أوكسفام” تشير إلى أن إغلاق المحلات التجارية وحظر التجول في معظم دول العالم، يؤثر بشكل كبير على الدول الفقيرة في جنوب الصحراء الأفريقية، وساحل البحر المتوسط، ومنطقة الشرق الأوسط؛ ما قد يعيد الحرب ضد الفقر، على المستوى العالمي، إلى ما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وإلى ما كانت عليه قبل 30 عاماً في أفريقيا والشرق الأوسط.
كما توقّعت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا “إسكوا” أن ينضم أكثر من ثمانية ملايين عربي إلى “عداد الفقراء” في المنطقة جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أنه “سيُصنَّف ما مجموعه 101,4 ملايين شخص في المنطقة في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليوناً”.
وباء كوفيد 19 فرض على حكومات الدول العربية والأجنبية اتخاذ إجراءات صارمة لحماية الشعوب من الإصابة بهذا الفيروس، في حين أن هذا الخيار الذي يعتبر الحل الوحيد إلى الآن للحماية من هذا الفيروس، نتج عنه أزمة لا تقل أهمية عن أزمة تفشي كورونا وهي حالة الجوع والفقر التي بدأت باجتياح المجتمعات، والتي أطلقت صرخة الجوع.
وما يجعل الواقع مؤلماً أكثر هو أن هذه المجتمعات المعرضة لأن ترتفع فيها نسبة الفقر هي الأكثر حاجة للحجر الصحي لأنها لا تملك الإمكانيات الكافية في حال تفشى هذا الوباء في بلادها.
لا يزال الغموض يكتنف كورونا، فلا علاج ولا لقاح وكل يوم تفاجئنا منظمة الصحة العالمية بحقائق جديدة حوله، تزيد من غموضه أكثر، ومن غير المعروف إلى الآن المدة الزمنية التي سيستمر عليها هذا الحال، ما يستدعي ضرورة إيجاد حل سريع لتعويض من فقد مصدر رزقه بسبب هذا الحجر من قبل حكومات الدول، وإلا قد نكون أمام سيناريوهات أكثر سوءاً تدفع الأفراد إلى خيار التعايش مع هذا الفيروس وتفضيل الإصابة به على خيار الموت جوعاً بسبب الفقر.
زهراء سرحان