خاص|| أثر برس
منذ بداية الحرب على سورية، تحاول أنقرة تحقيق مطامعها في الشمال السوري من خلال حجج وذرائع كان ضحيتها المدنيون، لكن هناك مجموعة كبيرة من العراقيل التي تواجهها وتمنعها من تحقيق أهدافها، منها مايتعلق بأطراف اللعبة السياسية في الشمال السوري.
من المعروف أن الملفات الرئيسية التي تتحدث عنها تركيا خلال المرحلة الحالية في سورية، هي محافظة إدلب واستمرارية وجودها فيها و”اتفاق منبج” الذي عقدته مع الولايات المتحدة الأمريكية في 5 حزيران 2018، وعملية شرق الفرات إضافة إلى مشروع “المنطقة الآمنة” الذي اندرج مؤخراً ضمن مجموعة المصالح التي تسعى تركيا إلى تحقيقها في سورية.
جميع هذه المصالح تعاني من عراقيل، حولتها إلى مأزق سياسي تعاني منه تركيا، فاتفاق منبج، تناشد أنقرة واشنطن لتنفيذه حتى اليوم، كما أنها لن تجرؤ أن تُقدم على عملية شرق الفرات في سورية دون إذن أمريكا لأن المعركة ستكون ضد حلفاء واشنطن الأكراد، وواضح أن ورقة مشروع “المنطقة الآمنة” قد سُحبت من تركيا بعد أن صرح ترامب أنه لن ينتشر في هذه المنطقة قوات تركية أو أكراد، أما بالنسبة لملف إدلب فالدولة السورية مصرة على إستعادتها والخبراء العسكريين يؤكدون أنه تم اتخاذ قرار البدء بالعملية وأنها باتت وشيكة.
أغلب الملفات السابقة تتعلق عراقيلها باعتبار الأتراك أمريكا حليفاً رئيسياً لهم لتحقيق مصالحهم ، لكن واضح أن الولايات المتحدة هي من استغلت تركيا مع حرصها على الحفاظ على جودة العلاقات معها من خلال الاتفاقات التي عقدتها شمالي سورية دون أن تنفذ منها أي شيء، كونها شريكتها في حلف “الناتو”.
لكن هناك ملفاً شائكاً يرتبط بالداخل السوري، تتشعب مشكلاته بالنسبة لتركيا وهو محافظة إدلب، حيث أن “اتفاق إدلب” الذي عقدته تركيا مع روسيا دون تنفيذ أيّاً من بنوده وبدء موسكو بالتأكيد على ضرورة التزام تركيا ببنوده، وحديث الدولة السورية عن استعادة المحافظة، إضافة إلى أن أنقرة لم تعد قادرة على توظيف “جبهة النصرة” لخدمة أهدافها في إدلب بسبب وجود العديد من مسلحي “الجبهة” الذين لا يزالون يتمسكون يإيديولوجيتهم الفكرية وأطماعهم الخاصة.
في ظل هذه الضغوط والعراقيل، تصر تركيا على الإمساك بأطراف جميع هذه الخيوط، حيث تسعى قدر الإمكان للمحافظة على أهدافها، وهذا ما يبرر تكثيف اتصالاتها مع المسؤولين الروس لتأجيل عملية إدلب العسكرية قدر الإمكان، خصوصاً بعد التصريحات الروسية الأخيرة التي شددت على خطورة الوضع في المحافظة، كما نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” حول هذا الأمر مقالاً بعنوان “صبر بوتين بدأ ينفذ” جاء فيه: “أصبح اتفاق إدلب في حكم الميت، حيث انتقد بوتين في سوتشي نظيره التركي لفشله في تنظيف المنطقة من المتشددين والمتطرفين، بل سماحه لهم بالنمو عدداً وتأثيراً، وفي الوقت ذاته بدأ اتفاق وقف إطلاق النار بالترنح، بعد محاولات تسلل عديدة للفصائل الحليفة لـ “جبهة النصرة” على نقاط للقوات السورية باللإضافة واستهدافتها بالقذائف الصاروخية للمدن والبلدات القريبة من خطوط التماس”.
كما تعتبر تركيا مشروع ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة” ذات أهمية استراتيجية كبيرة لها، فبعدما جرّد ترامب أردوغان من حلم السيطرة على مناطق جديدة في الشمال السوري -بتأكيده على منع وجود القوات التركية فيها- توجهت أنقرة إلى الأطراف التي أدخلها ترامب في الاتفاق وهي الدول الأوروبية، حيث حذّر وزير الدفاع التركي هذه الدول من أن قواتها ستتعرض لهجمات في حال انتشرت في هذه المنطقة، سعياً منه للتأثير على قرارها الذي لم تتخذه بعد ولتصبح القوة التركية هي القوة المنتشرة فيها.
في المحصلة، واضح أن تركيا لن تتمكن من تنفيذ مشاريعها، فالولايات المتحدة لن تكون أداة بيد أنقرة ولن تقدم على أي خطوة من أجل أنقرة تخالف سياستها وتمنعها من خدمة أهدافها، وحتماً روسيا لن تتخلى عن تحالفها مع الدولة السورية لخدمة مصالح تركيا في الشمال السوري، في الوقت الذي تؤكد فيه الدولة السورية باستمرار على عدم شرعية الوجود التركي على أراضيها وأنها لن تتنازل عن حق استعادتها.