خاص ||أثر برس بدأت تجربة التعليم الموازي في سوريا بنسبة 10 % من القبول العام في الجامعات والمعاهد الحكومية، واستقرت لنحو 10 سنوات على نسبة 20%، لكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة زادت هذه النسبة لتصل هذا العام إلى 50% وبرسوم مضاعفة شملت جميع التخصصات.
وبذلك يمكن القول إن نصف التعليم الجامعي أصبح اليوم مأجوراً، ولو أن تلك الأجور هي أقل من تلك المعتمدة في الجامعات الخاصة، وفي حال سار الوضع على هذه الوتيرة، فإنه ربما نصل قريباً إلى مرحلة يكون فيها التعليم الجامعي مأجوراً بأكمله.
إذاً ماذا بقي من التعليم الجامعي المجاني بعد أن فقد نصف مقاعده؟ وهل يمكن اعتبار هذه الخطوة مقدمة لنهج جديد في سياسة الاستيعاب الجامعي تمهيداً لإلغاء مجانية التعليم في الجامعات والمعاهد؟
وفق إحصائيات وزارة التعليم العالي، فقد بلغ عدد طلاب الجامعات الحكومية السبعة خلال الست سنوات الماضية نحو مليونين و685 ألف طالب وطالبة، منهم نحو686 ألف طالب وطالبة في التعليم الموازي في مختلف الاختصاصات، وحتى عام 2020 حافظ التعليم الموازي على نسبة 20% من نسبة التعليم العام مع شبه استقرار في الرسوم.
بدأ التغيير في بنية التعليم الموازي عام 2021 وذلك من خلال رفع نسبة مقاعده إلى حوالي 30%، حيث قدر عدد الطلاب في ذاك العام بحوالي 141 ألف طالب، ثم ارتفعت النسبة خلال العام الفائت لتصل إلى 40% وليصبح عدد الطلاب 151 ألف طالب ومع زيادة مضاعفة في رسوم التسجيل، ومع بداية العام الدراسي الحالي زادت النسبة إلى 50%، وكذلك زادت قيمة الرسوم بنسبة تكاد تكون مضاعفة عن العام السابق.
ليست هناك أرقام إحصائية دقيقة عن إجمالي قيمة الإيرادات المتحققة من رسوم التسجيل في التعليم الموازي في جميع الجامعات السورية، لكن يمكن من خلال الاستعانة ببيانات جامعة دمشق رسم ملامح لتلك الإيرادات، إذ تشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن عدد طلاب التعليم الموازي في جامعة دمشق قارب 270 ألف طالب خلال الفترة من 2016 ولغاية 2021، وبلغ عددهم في الكليات الطبية (الطب، طب الأسنان، الصيدلة) حوالي 16800 طالب، ووفق هذه الأرقام فإن الإيرادات المحصلة من هذه الكليات تقدر بحوالي 1.5 مليار ليرة لغاية 2019 من خلال رسوم تسجيل 150 ألف ليرة سورية، في حين تجاوز المبلغ 570 مليون ليرة سورية خلال عام 2020، كما تم تسجيل 1.1 مليار ليرة في عام 2021 بعد أن تم رفع الرسوم إلى 300 ألف ليرة سورية في هذه الكليات.
وخلال العام الحالي قدر عدد طلاب التعليم الموازي في الكليات الطبية بجامعة دمشق بحوالي 4000 طالب بعد رفع نسبة الموازي إلى 50%، وعليه يمكن تقدير الإيرادات المحصلة من الرسوم في هذه الكليات 2.8 مليار ليرة، مع ارتفاع رسوم تسجيل الطالب فيها إلى 600 ألف ليرة سورية.
ي تعليقه على ما سبق، يشير الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق والمدير الأسبق للمكتب الوطني للإحصاء الدكتور شفيق عربش بحديث مع “أثر” إلى وجود خلل كبير في نهج التعليم الجامعي نتيجة التطبيق الخاطئ لسياسة الاستيعاب الجامعي التي بدأت تجربتها قبل 50 عاماً بهدف تأمين كوادر متخصصة، وكانت البلد آنذاك بحاجة لها، أما الآن فالجامعات تخرّج سنويا آلاف الطلاب على حساب الجودة والنوعية، ما انعكس سلباً على أداء المنظومة التعليمية التي تشهد حالياً تراجعاً شديداً على المستوى التعليمي في المرحلة الجامعية والدراسات العليا وما قبل الجامعية، بسبب هذه السياسة وتبعاتها، بحسب وصفه.
ويضيف: التعليم الموازي جاء ليشق طريق بعض الطلاب في الجامعات الحكومية الذين حالت معدلات نجاحهم في الثانوية العامة دون الالتحاق ببعض الاختصاصات الجامعية، ورغم ذلك بدأت تجربته برسوم مقبولة وبنسبة معقولة من التعليم العام، ولكن رسومه حالياً ارتفعت بشكل كبير مع انخفاض أسعار صرف الليرة السورية ومقارنة بالرواتب والأجور وخاصة ذوي الدخل المحدود، وهي الشريحة الأكثر تضرراً من أي ارتفاع يطرأ على الأسعار، أضف إلى ذلك زيادة نسبته إلى 50% من التعليم الجامعي الحكومي وبمعدلات قبول متقاربة وصلت في بعض التخصصات إلى فارق علامة واحدة بين العام والموازي.
وبرأي عربش فإن هذه القرارات مخالفة صريحة للدستور الذي نص في إحدى مواده على أن التعليم في الدولة حق مجاني في جميع مراحله بما فيها المرحلة الجامعية، ولا يحق للمسؤولين مقارنة رسوم الجامعات الحكومية بما فيها التعليم الموازي برسوم الجامعات الخاصة التي يستأجر فيها الطالب مقعد لم يتمكن من الحصول عليه في الجامعات الحكومية.
ويضع مدير المكتب المركزي للإحصاء الأسبق قرار رفع رسوم التعليم الموازي في إطار سياسة الحكومة لتحصيل موارد وعائدات مالية للخزينة العامة، ولكن من المؤسف أن عائدات التعليم الموازي أو المفتوح لم تنعكس إيجاباً على مستوى دخل العاملين في الجامعات، ولا على الخدمات المقدمة لهم ولا توجد أي شفافية في هذا الأمر، على حد وصفه، مؤكداً على ضرورة وضع معايير موضوعية تصحح مسار سياسة الاستيعاب الجامعي تضمن الحقوق للجميع، وتربط مخرجات التعليم العالي بالاحتياجات الحقيقية لسوق العمل بعد أن أصبحت مخرجات التعليم العالي تفوق حجم الوظائف وفرص العمل المتوفرة في العديد من التخصصات.
وفي معرض تعليقه على هذه المسألة أوضح معاون وزير التعليم العالي للشؤون التعليمية الدكتور عبد اللطيف هنانو لـ”أثر” أن الاستيعاب الجامعي بقي على حاله، ولم يتأثر بقرار زيادة نسبة التعليم الموازي إلى 50% كما يشاع، وبالتالي هذه النسبة ليست مجيّرة من العام إلى الموازي على حد تعبيره.
وأضاف هنانو بأن الهدف من هذه الخطوة توسيع شريحة المستفيدين من التعليم الموازي بغية إتاحة فرص إضافية لمجموعة من الطلاب الالتحاق به، وبحسب هنانو، هناك بعض التخصصات الطبية وبعض الهندسية كان فارق القبول فيها بين التعليم العام والموازي علامة واحدة فقط، أما الآن وبعد رفع نسبة التعليم الموازي من الممكن أن يكون الفارق علامتين أو ثلاثة في التخصصات نفسها، مؤكداً بأن التعليم الجامعي العام لم يتم المساس به ابدأ وهو منفصل بحد ذاته عن التعليم الموازي.