يتفاقم الخلاف بين الصين والولايات المتحدة بشكل أكبر يوماً بعد يوم لينعكس بطريقة غير مباشرة على دول المنطقة التي تعاني من السطوة الأمريكية على مقدراتها واقتصادها بشكلها العام.
فتصاعد التوتر بين العملاقين الاقتصاديين هذا العام ليس فقط بسبب الخلافات التجارية بينهما، بل بسبب فرض عقوبات على بكين التي ردت بعقوبات مماثلة على بعض أشد الشخصيات المعارضة علناً للصين في الكونغرس الأمريكي بعد أيام على قرار الولايات المتحدة حظر منح تأشيرات لمسؤولين صينيين وتجميد أصول تابعة لهم، قبل أن يخرج وزير الخارجية الصيني وانغ يي قبل أيام بتصريحات شديدة اللهجة تجاه واشنطن قائلاً: “يضع الجانب الأمريكي بكل صراحة مصالحه فوق مصالح الآخرين، ويظهر أنانية وأحادية الجانب، ويستخدم البلطجة في أقصى درجاتها، فهل يوجد مثل هذه الدول في مكان ما؟”.
في حين رأت وزارة الخارجية الصينية، يوم الجمعة الفائت، أن المسؤولين الأمريكيين “فقدوا عقولهم وجن جنونهم” في تعاملهم مع بكين، وذلك بعد فرض واشنطن المزيد من العقوبات على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لهجة التصريحات الصينية التي تقوم في سياساتها الخارجية عادةً على الدبلوماسية المحكمة تعكس حجم استفزاز واشنطن لبكين وخصوصاً خلال حقبة الرئيس ترامب، لكن بالمقابل يبدو من الواضح بأن زيادة التوتر بين البلدين بدأ ينعكس على دول أخرى وخصوصاً تلك التي يُفرض عليها عقوبات اقتصادية بسبب سياساتها التي لا تتبع لواشنطن.
فبعيداً عن الإجراءات التكتيكية التي تقوم عليها السياسة الصينية بالعموم والتي كان آخرها مثلاً الفيتو الذي قدمته قبل أيام ضد مشروع قرار أممي لإدخال مساعدات إلى سورية عبر معابر غير شرعية، فنشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على صفحتها الأولى قبل أيام تفاصيل اتفاق جرت صياغته بين الجانبين الصيني والإيراني باستثمارات صينيّة بأكثر مِن 400 مليار دولار في البنى التحتية الإيرانية وقطاع الطاقة، وسكك الحديد والموانئ والصناعات العسكرية، وسيكون المقابل الذي ستحصل عليه الصين إمدادات نفطيّة رخيصة ومنتظمة لحوالي 25 عاماً، تلك التسريبات ألمح إليها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال جلسة للبرلمان في طهران بأنهم يناقشون اتفاقاً استراتيجياً مع الصين مدته 25 عاماً، في حين أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية خلال مؤتمر صحفي ما أوردته جهات إيرانية، من دون الإدلاء بأي معلومات إضافية.
تحالف المعاقبين
التحرك الصيني – الإيراني يأتي من شعور موحد بأن الولايات المتحدة منافس مشترك لهما، وقد تَعزز الشعور لدى بكين -عقب جائحة كوفيد-19- بأن هناك محاولات لمحاصرتها والتأثير عليها اقتصادياً مما دفع البلدين في السير قدماً لإتمام هذه الشراكة، وتشير تلك الاتفاقية إلى أن الدولة التي تتعرض للعقوبات الأمريكية بدأت تتجه لتشكل تحالف اقتصادي وعسكري، ونجاح هذا الاتفاق بين الصين وإيران من شأنه أن يشجع دول أخرى تتعرض للعقوبات الأمريكية إلى القيام بنفس السلوك، فنجاح هذا الاتفاق من شأنه تغيير السلوك الأمريكي بفرض العقوبات الاقتصادية على كل من يخالفها في تطلعاتها السياسية التي تريد تقويد أي قوة لا تخضع لإمرتها وإعادة حساباتها الجيوسياسية.
تأثير على التواجد الأمريكي وخطط الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط
على الرغم من كون هذه الاتفاقية تحمل جوانب اقتصادية ضخمة من شأنها أن تعيد إنعاش الاقتصاد الإيراني المرهق من العقوبات فإنها تشمل أيضاً تعزيز الإمكانات العسكرية الإيرانية بالتعاون مع الصين وهذا يعني التأثير على القوى العسكرية الحليفة لإيران سواءً في العراق أو سورية أو لبنان ما من شأنه أن يشكل بالمستقبل خطر حقيقي على الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط عموماً، وفي هذا السياق رأى الخبير العسكري “الإسرائيلي” أمير يار شالوم، هذا الاتّفاق بأنّه خطوة على طريق شرق أوسط جديد وسيؤدي إلى كسر الحصار الأمريكي على إيران، فمن الواضح بأن الاتفاق يشكل كابوس للكيان الإسرائيلي الذي يسعى جاهداً إلى تقويد إيران عبر العقوبات الأمريكية بهدف التأثير على دعم الحركات المناهضة للكيان سواءً في فلسطين أو لبنان والتي تعتمد بشكل رئيسي على الدعم الإيراني.
خلال السنتين الأخيرتين حذرت العديد من الشخصيات الأمريكية في الحزب الديموقراطي من أن السلوك الأمريكي تجاه إيران وتشديد العقوبات من شأنه أن ينتج عنه إجراءات إيرانية غير متوقعة ولا تخدم الأهداف الأمريكية الشاملة، لكن يبدو بأنه على الرئيس ترامب تحمل تبعات سياسية وانجراره للتفكير بمصلحة الكيان الإسرائيلي بشكل مجرد عن المصلحة الأمريكية، لا ندري ما هي الاستراتيجية التي ستتبعها واشنطن بعد معرفتها بهذا الاتفاق المفاجئ فمن غير المستبعد أن تقوم بتغير صيغة عقوباتها تجاه إيران أو الصين أو محاولة تقديم مكاسب لأحد البلدين لمنع هذا الاتفاق لكن التوجه السياسي سواءً الإيراني أو الصيني معروف بمواقفه الحازمة واحترام سيادة.
يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تغير في صورة الشرق الأوسط فالتنين الصيني لم يعد يحتمل الاستفزازات الأمريكية وبدأ بضرب استراتيجية الولايات المتحدة في العمق عبر الدخول باتفاقيات مع حليف عنيد لا يفهم لغة التهديد ويرفع شعار “الموت لأمريكا”.
رضا توتنجي