تصريحاتٌ متناقضة تخيم على الخطاب السياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه منصب الرئاسة في الولايات المتحدة لتكون آخر محطات تلك التصريحات لقاءه الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب آردوغان في البيت الأبيض، فبعد رسالته الشهيرة التي وصف فيها الرئيس التركي بـ “الأحمق” عاد أول أمس ليجمع كل عبارات المديح في وصف الرئيس التركي واصفاً إياه بـ”العظيم”.
قد يكون الاجتماع الذي جرى بين الرئيسين يحتاج إلى “منجّم” لفهم نتيجته كون الحديث الذي جرى لم يضع نقاط أو محصلة للخلافات التي جرت بين البلدين خصوصاً فيما يتعلق بدعم الولايات المتحدة للأكراد مقتصراً ترامب وكعادته بإلقاء اللوم على سلفه باراك أوباما بأنه سبب الخلاف بين البلدين الحليفين، وعلى الرغم من الحديث عن عقوبات أمريكية تجاه تركيا بشأن عدوانها العسكري داخل الأراضي السورية والمسمى بـ “نبع السلام” وعد ترامب برفع حجم التجارة بين البلدين من 20 مليار دولار حالياً إلى 100 مليار دولار خلال سنوات قليلة.
هذا المشهد المتناقض في الأروقة السياسية لا يختلف عن حالة الضبابية في التحركات الأمريكية في مناطق شمال شرق سورية والتي تتناقض هي الأخرى مع فحوى التصريحات الأمريكية الرسمية حيث تستعدّ القوات الأمريكية المتواجدة بشكل غير شرعي للتمركز في قاعدتين عسكريتين جديدتين في منطقة قريبة من حقول النفط في مناطق شرق الفرات السوري، وبحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية، فإن الولايات المتحدة، التي تملك 5 قواعد عسكرية في محافظة الحسكة، بدأت أعمال إنشاء قاعدتين جديدتين في منطقتين مختلفتين في الحسكة، وخلال اليومين الماضيين، عَبَرت قافلتان عسكريتان أمريكيتان إلى الأراضي السورية عبر معبر اليعربية قادمة من العراق، ودخلت إلى مدينة القامشلي، وفيما تمركزت القافلة الأولى، المكوّنة من 20 آلية عسكرية ما بين مدرّعات وشاحنات، في بلدة القحطانية شرقي مدينة القامشلي على بعد 6 كلم من الحدود التركية، وصلت القافلة الثانية إلى قرية حيمو غربي القامشلي، على بعد 4 – 5 كلم من الحدود التركية، وتقع المنطقتان المذكورتان، اللتان شرع الجنود الأميركيون في أعمال إنشاء القاعدتين الجديدتين فيهما، ضمن حدود الحزام الذي تُسيّر فيه القوات التركية والروسية دوريات برية مشتركة، ولا يخرج الانتشار الأميركي فيهما عن مهمّة تطويق حقول النفط، إذ هما تضمّان بالفعل حقولاً نفطية.
ناهيك عن مماطلة الولايات المتحدة بالانسحاب من بعض قواعدها في المناطق البعيدة عن آبار النفط كقاعدتها في عين العرب، وعودة الولايات المتحدة لتؤكد على استمرارها بدعم “قوات سوريا الديمقراطية” كما جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي قبل يومين.
وفي ظل كل تلك الضبابية في الأهداف الأمريكية والتركية التكتيكية حول سورية يبدو بأنه من الواضح بأن النقطة التي يجتمع عندها الطرفين هي الاستحواذ على النفط السوري ومنع عودته إلى الدولة السورية، حيث صرح الرئيس التركي خلال الاجتماع في البيت الأبيض بالقول: “كما تعلمون هناك نفط في دير الزور وفي القامشلي، ونحن سنقدم اقتراحاً لأمريكا وروسيا بأن تستخدم أموال نفط هاتين المنطقتين في إعادة إعمار سورية”، وسط توقعات المراقبين بأن هذه العملية ستتم فيما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” أو بشكل عام، متجاهلاً أن نفط دير الزور والقامشلي هو ملك الدولة السورية، وأن من يملك حرية التصرف به هو الدولة السورية حصراً.
كل تلك التطورات تضع العديد من التساؤلات حول ماهية موقف روسيا التي تعتبر من أهم حلفاء الرئيس التركي في هذه المرحلة خصوصاً وأنها تؤكد وبشكل متكرر خلال الفترة الأخيرة بأنه لا يحق لأحد أن يستحوذ على النفط السوري إلا الدولة السورية.
قد يكون الرئيس السوري بشار الأسد قدم جزء كبير من الإجابة خلال مقابلته يوم أمس والتي قال فيها بأن المقاومة العسكرية الشعبية قد تكون هي الحل لإعادة النفط السوري المنهوب بسبب الاحتلال الأمريكي، كما أن تلك المقاومة التي تحدث عنها الرئيس الأسد لا بد لها أن تمتد إلى باقي المناطق التي تحتلها القوات التركية خصوصاً وأن الأهالي السوريين عَرباً وأكراداً في هذه المناطق لن يقبلوا وجود “أغراب” في أراضيهم، وهو ما من شأنه أن يدل على أن قاعدة المقاومة الشعبية جاهزة وهو ما يشكل حجر الأساس لانطلاقها.
رضا توتنجي