خاص|| أثر برس “تفضل ذوق مو ضروري تشتري.. هي ضيافة المحل.. جرب أكثر من نوع واشتري اللي يناسبك..”، عبارات عادةً ما يكررها عمال البيع في محلات الأطعمة بمختلف أنواعها من حلويات وسندويشات وتمور ومواد غذائية للمؤونة من زيتون ولبنة وجبنة وغيرها أو حتى المكسرات، لكنها تلاشت في السنوات الأخيرة نظراً للغلاء.
هذه العبارات تدل على كرم المحل وحسن الضيافة والاستقبال والتشجيع على الشراء بعد التجربة، كما ترى الخمسينية أم أغيد، مضيفة لـ “أثر”: “أما اليوم من النادر سماع ذلك من أي محل لأنه يعلم مسبقاً أن أفضل زبون لن يشتري أكثر من نصف إلى الكيلو من أي سلعة، نظراً لارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية”.
بابتسامة تستذكر السيدة مروة كيف تذوق زوجها منذ بضعة سنوات أصناف عدة من الزيتون بتشجيع من البائع طبعاً ليختار نوعين، إذ اشترت من كل صنف نحو 3 كيلوغرامات حينها، أما اليوم تقول مروة لـ “أثر”: “أشتري نصف أو ربع كيلو أو حتى أحدد السعر سلفاً مثلاً أطلب كمية بقيمة عشرة آلاف ليرة سورية من أي صنف، لذلك رفاهية التذوق المسبق شبه معدومة ولم تعد موجودة في غالبية المحال حتى في المولات والأسواق الشعبية”.
واعتبر عدد من الأشخاص في حديثهم مع “أثر” أن البائع “معه حق نوعاً ما” لأن البعض يتقصد بحجة التذوق أو إن كان معه طفل أخذ عينة من بعض الأصناف سيما الحلوى منها من دون شراء.
يقول عقبة إنه اشترى مؤخراً بعشرة آلاف ليرة نوعاً من التمور قيمة الكيلوغرام منه 45 ألف ليرة وكان اعتاد أن يضيفه صاحب المحل حبة تمر في كل مرة، سيما وإن كان الصنف الذي اشتراه نوعاً جديداً غير الذي يشتريه عادة، لكن تفاجأ هذه المرة عندما رفض صاحب المحل وهو جاره كما يقول لـ “أثر” طلبه بتذوق حبة التمر، معللاً ذلك بأن “سعر الحبة نحو 500 ليرة سورية فليس من المعقول أن يضيّف كل من يشتري”.
وأضاف عقبة: “فضولي دفعني إلى عد قطع التمر وإعادة حساب قيمة كل حبة، إذ وجدت أنه معه حق وليس عليه أي حرج بذلك، (الله يبارك له) ليس من الضروري أن يظهر الكرم فلن نشتري بأكثر من المال الذي لدينا”، متابعاً لـ “أثر”: “ارتفاع الأسعار غيّر كثيراً من طقوس وعادات الشراء والبيع المتوارثة”.
في المقابل، أكد عدد من أصحاب المحلات أنه فعلاً لم تعد ضيافة المحل من أولويات كسبهم الزبون فالقليل من يشتري بكميات كبيرة من جهة وارتفاع سعر أي سلعة لحظيٌّ.
يوضح مأمون (صاحب محل حلويات شعبية في دمشق) أنه يضع صحن عوامة خاص لضيافة كل من يدخل المحل، فذلك نوع من الكرم والبركة في الرزق ولا يزال محافظاً على ذلك لكن بالمقابل لا يستطيع أن يضيف زبائنه قطعة معمول أو كنافة كما كان يفعل والده، متابعاً لـ “أثر”: “ضيافة المحل وخليها علينا، على الرغم من أنها تعبر عن طلاقة البائع وشطارته بكسب الزبون والكرم المرفق مع ابتسامة أهلا وسهلا، فإنها قلت بشكل ملحوظ لأن البيع قليل عموماً.
بدوره، يرى أبو عبود (صاحب سوبرماركت بالجديدة بريف دمشق)، أن جذب الزبون واستقطابه ليكون متسوقاً دائماً من المحل يتطلب التعامل اللطيف وعرض أنواع البضاعة وتعريفه بمواصفاتها وسعرها وترك الخيار له، مضيفاً: “ومن ضمن ذلك دعوته لتذوق عيّنة وذلك لايزال قائماً نوعاً ما لكن الشراء بات قليلاً وأصبح البيع بالقطعة والحبة والأوقية الأكثر رواجاً جعل ذلك يخف خاصة في محال بيع المفرق بينما في بيع الجملة نجده معظم الأحيان لايزال متعارفاً.
وبالعودة إلى المستهلك تقول أم أحمد: إن “البائع لم يعد يعرض على من يسأل عن صنف أن يتذوقه وهو أمر مقبول إلى حد ما لكن أصبح عدد منهم يوفر حتى في الأكياس التي يضع فيها المشتريات فمنهم من يجمع عدداً كبيراً بكيس واحد ومنهم من لا يعطي كيساً لعلبة صغيرة ويكتفي بالقول: “ممكن أن تضعيها بحقيبتك مدام”.
تجدر الإشارة إلى أن الأسعار في الأسواق السورية تشهد ارتفاعاً كبيراً مقارنة بالسنوات السابقة، بشكلٍ يفوق قدرة الناس وذوي الدخل المحدود على الشراء، وبالتالي أثّر ذلك على حركة البيع والشراء، حتى إن هذا الغلاء تسبب بتلاشي عدد من الطقوس.