خاص|| أثر برس فرضت الليونة التي أبداها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في خطابه الموجه لدمشق، على المجموعات المسلحة المنتشرة في الأراضي السورية دراسة سيناريوهات محتملة قد تواجهها في المرحلة المقبلة، ومن ضمن هذه المجموعات “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)” التي تسيطر على مناطق شمال غربي سوريا.
منذ أربعة أشهر يواجه “أبو محمد الجولاني” قائد “هيئة تحرير الشام”، في مناطق سيطرته احتجاجات تطالب بتنحي “الهيئة” عن السيطرة على تلك المناطق، وحاول “الجولاني” اتخاذ جملة من الإجراءات للسيطرة على هذه الاحتجاجات وكانت النتيجة استمرارها وتوسعها، وأمام هذا التحديات الداخلية التي يواجهها قائد “هيئة تحرير الشام” تكون أي خطوة تركية إيجابية إزاء سوريا بمنزلة عبء إضافي على “الهيئة” سيما في حال كانت هذه الخطوات ميدانية، وفي هذا الصدد أشار الباحث والكاتب السياسي حسام طالب، في حديث لـ”أثر برس” إلى أن “الجولاني يتحسس رأسه بعد الإشارات الإيجابية بين سوريا وتركيا حول المصالحة وإنهاء الواقع الحالي شمالاً وفق اتفافيات أستانا وسوتشي، التي تضع بند القضاء على سيطرة الجولاني وتنظيمه على رأس الأولوية في تحقيق أهداف التقارب السوري- التركي”.
ملف “الهيئة” قد يكون أول تنازلات أنقرة:
تمكنت أنقرة في سنوات الحرب أن تدعم “أبو محمد الجولاني” بطرائق غير مباشرة، إذ غضت الطرف عن بنود اتفاقات “سوتشي وخفض التصعيد” التي تُلزمها بإنهاء سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مناطق شمال غربي سوريا، وسمحت لفصائلها المنتشرة شمالي سوريا بفتح جبهات إسناد لـ”الهيئة” في معاركها مع الجيش السوري، لكن في الفترة الأخيرة شهدت العلاقات بين “الهيئة” من جهة وأنقرة وفصائلها من جهة آخرى توترات عدة، ففي عام 2020 اندلعت مواجهات القوات التركية و”الهيئة” شرقي إدلب في حدث وُصف حينها أنه “غير مسبوق”، وتبعت هذه المواجهات تطورات عدة منها ارتبط بمواجهات بين “الهيئة” وفصائل “الجيش الوطني” وأخرى مرتبطة بانشقاق قادة من الصف الأول في “الهيئة” ولجوئهم إلى مناطق سيطرة أنقرة مثلما حدث مع الرجل الثالث” في “الهيئة” المدعو “أبو أحمد زكور”، إذ لجأ بعد انشقاقه إلى مناطق سيطرة أنقرة بريف حلب، ليكشف فيما بعد في تسجيلات صوتية عن مجموعة من الحقائق المرتبطة بـ”الجولاني” ومنها أن “حوداث الانفجارات التي سجلت في السنوات الماضية في مناطق أعزاز والأتارب والباب بريف حلب ومنطقة أطمة (حيث سيطرة أنقرة)، كان سببها الجولاني”، موضحاً أن الأخير أرسل المفخخات لضرب فصائل مسلحة عدة والتخلص من قياديها.
وأمام هذه التوترات فإن ملف “هيئة تحرير الشام” قد يكون أولى التنازلات التركية في المفاوضات المُرتقبة بين أنقرة ودمشق، وفي هذا السياق يوضح طالب أن “مسار التقارب السوري- التركي سيفرض على أنقرة الوقوف إلى الحياد وسحب نقاطها من إدلب، ومنع فصائلها من فتح جبهات إسناد لتخفيف الضغط على الجولاني ما يعبد الطريق أمام الجيش السوري باتجاه معبر باب الهوى وجسر الشغور وإنهاء إمارة الجولاني في إدلب”، مضيفاً أن “الجولاني يقرأ المشهد السياسي جيّداً، لذلك يرتفع منسوب القلق عنده بعد تخلي الجميع عنه، فهو لم يستطع أن يكون حليفاً لتركيا لأن مشروعه خاص وبعيد عن التبعية الكاملة لأنقرة وهو غير مستعد لهذه التبعية”.
رسائل “الجولاني” لتركيا:
شهدت مناطق سيطرة تركيا شمالي سوريا يوم الاثنين 1 تموز الجاري حالة توتر أمني تمثلت باحتجاجات ضد القوات التركية، تخللتها هجمات بالأسلحة على مقرات تابعة للقوات التركية وإنزال الأعلام التركية وحرقها، الأمر الذي عده “الجولاني” فرصة ملائمة لإيصال رسائله إلى أنقرة، فأرسل مجموعات تابعة لـ”الهيئة” للمشاركة بهذه الاحتجاجات، وأشار الباحث السياسي حسام طالب في حديث لـ”أثر” إلى أن “أثناء هذه الاحتجاجات حاول الجولاني إعادة التحالفات القديمة مع قيادات بعض الفصائل، بهدف توجيه رسالة للتركي في حال الاستمرار بإرسال الإشارات الإيجابية اتجاه دمشق بتحريك مناصيرهم في أكثر من مدينة في الشمال الغربي ضد النقاط والأعلام التركية وصولاً لاستهداف العربات العسكرية والشاحنات التجارية”.
من جانبها قابلت تركيا رسائل “الجولاني”، بأخرى شديدة اللهجة، إذ أمرت القوات التركية بإطلاق النار على المتظاهرين سيما في مدن عفرين والباب والراعي وجرابلس بريف حلب الشمالي، كما عمدت إلى قطع الإنترنت والكهرباء وإغلاق المعابر مع الشمال السوري، وعُقب الإجراءات التركية أصدرت “فرقة الحمزة التركمانية” و”فرقة السلطان مراد” المنضويين ضمن فصائل “الجيش الوطني” بياناً دعا المتظاهرين في الشمال السوري إلى الهدوء والوقوف إلى جانب القوات التركية، وتعقيباً على هذه الإجراءات التركية والبيان الذي تبعها، أشار طالب إلى أن “هذه البيانات عزلت الجولاني أكثر، بعد فشله برسم تحالفات جديدة”.
هل يلجأ “الجولاني” إلى واشنطن؟
بعد ما أعرب أردوغان، عن رغبته بإعادة العلاقات مع دمشق إلى سابق عهدها، علّق نائب المتحدث الرئيسي لوزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، في إحاطة صحافية بتاريخ 2 تموز الجاري، على التقارب التركي من سوريا بتأكيده أنهم أبلغوا واشنطن بموقفهم من إجراء محادثات مع دمشق وقال: “في هذه المرحلة لا نرغب بالتقارب مع دمشق”، من دون أن يُبدي أي معارضة للخطوة التركية.
بعض التقديرات أشارت إلى أن هذا التصريح الأمريكي بمنزلة تخلٍّ أمريكي واضح عن “الجولاني” ومشروعه، وفي هذا الصدد قال حسام طالب: “واشنطن لم تعلن معارضتها لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، الأمر الذي يعني أنها وضعت كل وعودها للجولاني في جيب التركي، الذي يطمح إلى فتح الطريق التجاري (الترانزيت) بين تركيا وسوريا وعودة الحركة التجارية بين تركيا ودول الخليج”، موضحاً أنه “من سوء حظ الجولاني، فإن أهم معابر الطريق التجاري هو معبر باب الهوى الذي تسيطر عليه (حكومة الإنقاذ) التابعة للجولاني وهذا المعبر له طريق واحد وهو M4 وأيضاً جزء منه تسيطر عليه الهيئة، ولا يمكن فتح الخط التجاري التركي- السوري الخليجي من دون تأمين حركة الشاحنات والعبور التجاري من دون استعادة السيطرة على إدلب”.
يشار إلى أن التحليلات التركية تؤكد أن الظروف الداخلية التركية والإقليمية والدولية، تُعد ملائمة لإحراز تقدم في مسار التقارب السوري- التركي أكثر من أي وقت مضى، إذ أكد آخر سفير تركي في دمشق عمر أنهون، أن التعامل مع الرئيس الأسد لحل قضيتي اللاجئين السوريين، والأمن التركي عند الحدود السورية- التركية، بات ضرورة داخلية لأنقرة، إضافة إلى الظروف الإقليمية وعودة دمشق إلى محيطها العربي والضجر الذي أصاب المجتمع الدولي من الملف السوري، جميعها عوامل تدفع أنقرة نحو التقارب مع دمشق.
زهراء سرحان