يبدو ظاهرياً أن تركيا تحاول اللعب على جبهات متعددة في كل من سوريا والعراق، من خلال ذريعة حماية حدودها من الأكراد الذين يقطنون في مناطقهم وفي بلادهم دون أن يتسببوا بأي مشكلة بالنسبة لأنقرة، وهذا ما أكده رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي قال رداً على إعلان تركيا عن عملية عسكرية في سنجار:
“إن الوضع في سنجار مستقر”، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل تركيا هي صاحبة القرار في عملياتها العسكرية، أم أنها أداة لتحقيق أهداف غيرها؟، وهذا ما حاول المحللون الإجابة عنه في وسائل الإعلام المختلفة.
فقالت صحيفة “يفغيني دامانتسيف” الروسية:
“احتلال سنجار سيؤدي إلى حل المشكلة الاستراتيجية الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا وسوريا وتركيا، وهي وقف نقل العدد الكبير من المركبات الخفيفة والثقيلة المدرعة التابعة للقوات المسلحة الأمريكية إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، وعدم السماح بإيصال قوافل الشحنات العسكرية الأمريكية من مضادات الدروع والأسلحة الخفيفة إلى قوات سوريا الديمقراطية”.
وتناولت صحيفة “العرب” اللندنية موضوع الأكراد ومستقبلهم بين أيدي القوى المختلفة، فورد فيها:
“تحول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لأداة بيد أميركا لا يمكنها التضحية بعلاقات استراتيجية مع تركيا لأجله فتخلّت عنه في عفرين وستتخلّى عنه في منبج أو المناطق التي لا تتماشى مع مصالحها الحيوية بعد تثبيت وجودها في منطقة شرق الفرات، وتخلت روسيا عنه مقابل علاقات استراتيجية مع تركيا أكبر بكثير من عفرين.. الحرب في سوريا فتحت باب العودة للشهوات الاستعمارية وإعادة رسم الخرائط لسوريا ولجوارها والتي ستمتد تداعياتها لتشمل الشرق الأوسط إن لم يكن بتغيير الجغرافيا فبتغيير بنية هذه الدول لتواكب شرقا أوسط مختلفاً”.
وتحدثت صحيفة “ديلي صباح” التركية عن علاقة التعاون الأمريكي – التركي ومساعدة واشنطن للكيان الإسرائيلي في سوريا:
“إن واشنطن أمامها فرصة كبيرة من أجل التخلص من عبء التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية وتحقيق مصالحها في سوريا دون إغضاب تركيا وحلفائها والعودة للعمل معهم لتحقيق المصالح المشتركة، لافتاً إلى أن ذلك سوف يضمن لواشنطن نفوذاً أكبر في سوريا، ومصالح أوسع في الشرق الأوسط، وحماية أمن إسرائيل”.
أما صحيفة “الأخبار” اللبنانية فجاء فيها حول الوجود الأمريكي في سوريا وعلاقته بالأهداف الإسرائيلية:
“انطلاقاً من عدم قدرة إسرائيل على الاستسلام والتعايش مع واقع التهديد المتشكل في سوريا، تسعى تل أبيب إلى دفع وتحفيز توسع التدخل العسكري الأميركي لتحقيق ما تعجز عنه بوسائلها وقدراتها الذاتية، هذا الرهان لا يستند فقط إلى قدرتها على الإقناع، بل إلى المصلحة الأميركية المباشرة، المعلن عنها من قبل الإدارة الحالية، في صد وإرجاع نفوذ أعداء إسرائيل في سوريا ولبنان إلى الخلف، الأمر الذي لا يتحقق بحسب الرؤيا الإسرائيلية، من دون تدخل عسكري أميركي أوسع وأشمل، وأكثر عدائية ومباشرة، في الساحة السورية، رغم كل المحاذير التي منعت هذا الخيار حتى الآن”.
هذه الآراء والحقائق تمكنت من فتح أوراق كانت موجودة تحت الطاولة وكشف ما بداخلها من أهداف ونظرات مستقبلية لمختلف الدول في سوريا والشرق الأوسط، فتركيا تسعى إلى إجراء تغيير ديموغرافي بطرد الأكراد من شمالي سوريا وتوزيع الفصائل الموالية لها بدلاً منها، وتقوم بذلك بمساعدة واشنطن وروسيا ولخدمة مصالحهم في المنطقة بذات الوقت.