يبدو أن المعارك الجارية على الأراضي السورية لم تحقق مبتغى بعض القوى الدولية، الأمر الذي دفعها إلى وضع أساليب مغايرة ورسم مشروعات تخدم مصالحها بالدرجة الأولى.. المراوغة السياسية باتت سيدة الموقف، ولاسيما مع إطلاق “وثيقة عهد حوران” التي تخدم المشروع الصهيوني بشكل خاص، ومشروع الفصائل المعارضة بشكل عام، وهنا يطرح السؤال نفسه، إلى أين يتجه الجنوب السوري؟.
مشروع حوران.. بين العلن والظل!
يكمن جوهر الوثيقة في طرح مشروع إقامة منطقة حكم ذاتي تضم “درعا، السويداء، والقنيطرة” جنوب سوريا، ليُطلق عليه فيما بعد اسم “إقليم حوران الجنوبي”، الأمر الذي يخرج هذه المنطقة من إطار “الإدارة المحلية” ويدخلها في إطار “الحكم الذاتي” الذي يضمن قانونياً استقلالية في الجانب الإداري والخدمي والقضائي والقانوني والإعلامي والتعليمي والثقافي وحتى الديني، فضلاً عن التفصيلات القانونية المتعلقة بالملكية والأحوال الشخصية والحريات العامة.
محلل استراتيجي مختص في القانون الدولي، علق على الوثيقة المذكورة قائلاً: “إنها أقرب في لهجتها إلى دستور جديد لإقليم من المقرر إقامته أو دولة، ولاسيما أن الوثيقة توصّف السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى جانب تناول قضية الحدود الإدارية والملكية العامة والخاصة والحقوق وغيرها، التي عادة تُعتبر من بنود الدساتير حصراً”.
لم يتوقف الأمر هنا، إذ أن التلاعب بالألفاظ داخل الوثيقة بات جلي الملامح، ويمكن توضيح المعنى المقصود من خلال عبارة تُروى باللهجة الشامية عادةً “شال الطربوش من راس هاد وحطو ع راس هداك، والتنين بيشتغلو سوا!”، حيث تطرح الوثيقة مسميات ومصطلحات لمؤسسات عادة تكون من مقومات الدولة، مثال: مجلس الممثلين بدل المجلس النيابي، والهيئات بدل مكان السلطات الثلاث، فضلاً عن تناول منطقة حوران كإقليم جغرافي، وأهالي حوران كشعب مستقل، أما المصطلح اللافت والذي ربما يبعث رسالة بطريقة مبطّنة هو استبدال توصيف حوارن من “منطقة” إلى “محافظة”!.
“وثيقة حوران” فرصة ذهبية لمقاتلي المعارضة.. والسبب!
لاشك أن مجريات المعارك حالياً تصب في صالح القوات السورية، سواء في حماة وريف دمشق وريف حمص وغيرها من المناطق، فضلاً عن أن الاقتتال الداخلي الحاصل بين مقاتلي “جيش الإسلام” من جهة والحليفان “فيلق الرحمن” و”جبهة النصرة” من جهة أخرى في الغوطة الشرقية، يضع الفصائل المتنازعة على المحك.
وفي ضوء ذلك، يبدو أن توقيت الوثيقة جاء ليخدم أو لينقذ -إن صح التوصيف- الفصائل المعارضة من ما آل بهم الحال مؤخراً، فضلاً عن المجال الذي سيُفسح لهم في مناطق الجنوب السوري سواء في القنيطرة أو في درعا، ولاسيما أنه سيتم توقيف الضربات الجوية التي تشنها الطائرات الحربية السورية على مقراتهم بين الحين والآخر.
أيضاً، ستأخذ طرق الإمداد الواصلة بين مقاتلي المعارضة والقوى الداعمة لها مثل “الكيان الاسرائيلي” منحى التوسع، الأمر الذي يمنح الفصائل المعارضة فرصة ذهبية لإعادة هيكلة قوتها من جديد.
“إسرائيل” مطمئنة القلب!
كشف تقرير صادر عن “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” الذي يرأسه وزير خارجية “إسرائيل” السابق “دوري غولد” عن أن مشروع “وثيقة حوران” يصب في مصلحة “إسرائيل” بالدرجة الأولى.
وجاء في التقرير: “إن إقامة إقليم يضم درعا والسويداء والقنيطرة يعد من أفضل الخيارات التي يمكن أن تسفر عنها التسوية الشاملة للصراع في سوريا”.
وأضاف التقرير: “إن فرص تحويل الجنوب السوري إلى مناطق تهديد لإسرائيل ستتقلص حتماً، ولاسيما مع إبعاد الدور الإيراني وحزب الله من دائرة التواجد في المنطقة، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على مشروع دولة إسرائيل الكُبرى” على حد التعبير الذي جاء في البيان.
وأقر التقرير بأن ما جاء في “وثيقة حوران” يدعو إلى إعلان الجنوب السوري كإقليم مستقل ضمن ما يسمى “الاتحاد الفيدرالي السوري”، مضيفاً: “منطقيا، إن الوثيقة تشير بطريقة أو بأخرى إلى أن مشروع التقسيم آتٍ لا محالة”.
“فرسان الجولان”.. أول الرقص حنجلة!
كانت قد وردت فيما سبق معلومات استخباراتية تحدثت عن نية “إسرائيلية” بتشكيل فصيل يحمل اسم “فرسان الجولان”، يعمل في نطاق الجنوب السوري “درعا، القنيطرة، وطريق السويداء”، ويتكوّن من 1200 مقاتل سوري، بعضهم ينخرط في صفوف المعارضة.
الفصيل المذكور سيكون بقيادة المدعو “أحمد مخيبر الخطيب” والملقب بـ “أبو أسد” من بلدة مسحرة، مع الإشارة إلى أن مصادر أهلية أكدت أن “الخطيب” كان يشتهر فيما سبق بموقفه الغير معادي للكيان “الإسرائيلي”.
يذكر أن الطيران “الإسرائيلي” عمد خلال سنوات الحرب السابقة إلى تنفيذ ما يقارب أكثر من 15 غارة مستهدفاً مواقع تابعة للقوات السورية في محافظة القنيطرة، الأمر الذي أودى بحياة عسكريين تابعين للقوات السورية ولبنانيين يقاتلون في صفوف حزب الله.