دياب حيدروف
هل نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استنساخ تجربة جماعات الكونترا في نيكاراغوا لتطبيقها واستثمارها في سوريا؟
بدايةً يجب العودة للتاريخ لاستذكار ماحصل في نيكاراغوا في الفترة الممتدة بين عامي 1979م وحتى عام 1990م وماتلاها إلى عام 2006م، ومحاولة إسقاط ما جرى على الأزمة السورية والأحداث الجارية فيها.
في عام 1979م قام (الثوار الساندينيون) في نيكاراغوا بزعامة دانييل أورتيغا بإسقاط نظام سوموزا الموالي لواشنطن، لتقوم بعدها إدارة رونالد ريغان بتكليف سفيرها بالهندوراس جون نيغروبونتي (سفيرها لاحقاً في العراق 2003) ومساعده (روبرت فورد) سفيرها لاحقاً في سورية 2011) تشكيل مجموعات “الكونترا” وتسليحها وتدريبها على أراضي هندوراس ثم إرسالها إلى نيكاراغوا لتمارس الإجرام المنظم بحق الجيش ومؤسسات الدولة، هذا الإجرام كان يتم في إطار برنامج أعدته وكالة الاستخبارات الأميركية وأطلقت عليه اسم برنامج تعزيز الديمقراطية في أميركا الوسطى، والشق الإعلامي من هذا البرنامج عرف باسم “البروباغندا” البيضاء، وسعى إلى تحقيق هدفين:
الهدف الأول: هو “تعويم عصابات الكونترا” على أنها حركة ديمقراطية مقاومة تسعى لإسقاط الاستبداد والقمع.
والهدف الثاني: كان تضليل الرأي العام الأميركي، وذلك عبر تصوير الإجرام المرتكب من “فرق الموت” على أنه انتهاكات ترتكبها الحكومة الساندينية، وبالتالي تضمن إدارة ريغان لنفسها حق تمويل “الكونترا” تمويل ناهز خمسين مليون دولار بحلول عام 1984م”.
الطابع الإجرامي للكونترا ودورها في تدمير البنية التحتية وتسميم مياه الآبار وتفجير الموانىء والسكك الحديدية وابادة المدنيين لم يلبث أن اتضح على الرغم من قيام “السي آي إيه” بتزويد الكونترا بكتاب “العمليات النفسية في حرب العصابات” وهو كتاب تضمن نصائح “بترشيد قتل المدنيين” ودعوة قيادات “الكونترا” لاعتماد مقاتلين محترفين في ضرب الأهداف الرخوة للجيش النيكاراغوي، أمام هذا المأزق لم يكن أمام إدارة ريغان إلا اصدار قرار يقضي بمنع كل تمويل حكومي للكونترا وليبدأ بعد ذلك تمويلها عبر مجلس الأمن القومي الأميركي.
الصراع الدموي في نيكاراغوا استمر حتى 1990م حينما قبلت واشنطن تحكيم طرفي الصراع (الكونتوا والرئيس المنتخب دانييل أورتيغا) إلى صناديق الاقتراع، ولكن خلال الفترة السابقة للانتخابات كثفت “الكونترا” من عملياتها الدموية ضد المدنيين بالتزامن مع قيام وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز بالتكثيف من تصريحاته التي تدعو النيكاراغويين إلى انتخاب مرشحة الكونترا السيدة فوليتا شومورو – إذا أرادوا وضع نهاية للحرب – عندها وبحسب تعبير نعوم تشومسكي “أذعن النيكاراغويون والمسدس مصوب إلى رؤوسهم وصوتوا لمصلحة تسليم بلادهم إلى المرشح المدعوم أميركياً، وليهلل المعلقون الأميركيون لنجاح السبل التي اتبعتها واشنطن”.
وتكرر الأمر عندما ترشح اورتيغا لانتخابات 2003 الرئاسية، فما كان من إدارة بوش الابن إلا أن ذكرت النيكاراغويين بالمصائب التي جرها عليهم انتخابهم أورتيغا عام 1984م، وعليه عاد المواطن النيكاراغوي لينتخب مرشح “الكونترا” تفادياً لتكرار مشاهد القتل والدمار، وفي عام 2006م عاد دانييل أورتيغا ليربح الانتخابات ويتولى رئاسة نيكاراغوا.
يتبع..