خاص|| أثر برس يُعد مسار اللجنة الدستورية، أحد أبرز مسارات الحل السياسي للحرب في سوريا، والتي يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، لتفعيلها لكن المطبات الدولية أعاقت الطريق أمامه، وتسببت بتعليق هذا المسار لأشهر عدة، وبالتزامن مع اقتراب زيارة بيدرسن، إلى سوريا أعلن أنه سيركز في هذه الزيارة على الآليات والأدوات اللازمة لتنفيذ الجولة التاسعة للجنة الدستورية.
يواجه بيدرسن، تحديات تقنية كبيرة بعدما أعلنت دمشق رفضها الواضح والصريح لاختيار جنيف مكاناً لعقد اجتماعات “الدستورية” وعلّقت مشاركتها في هذه الاجتماعات تضامناً مع حليفتها موسكو بسبب موقف جنيف “غير الحيادي” من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وإلى جانب موقف جنيف من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أكدت مصادر خاصة في “اللجنة الدستورية” لـ”أثر” أن جنيف رفضت إعطاء الوفد الروسي جوازات سفر دبلوماسية لحضور جولات اللجنة الدستورية، بالإضافة إلى ممارسة إزعاجات عدة لأعضاء الوفد الروسي، الأمر الذي أظهر تبعية جنيف الكاملة لواشنطن، ما دفع موسكو إلى تعليق مشاركتها في حال انعقاد الجولات في جنيف، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في شباط الفائت خلال مشاركته في مؤتمر الشرق الأوسط الثالث عشر لنادي “فالداي” الدولي: “إن اللجنة الدستورية السورية متوقفة الآن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حقيقة أن جنيف قوضت سمعتها بوصفها منصة محايدة”، مؤكداً أن “روسيا لم يعد بإمكانها اعتبار سويسرا منصة محايدة، لأن البلاد اتخذت موقفاً معادياً لروسيا علنياً”.
أوراق رابحة تفرضها السياسة السورية:
لا شك أن المتغيرات السياسية والتحالفات الإقليمية والدولية، والتطورات التي طرأت على مسار العلاقات العربية-السورية، وتصعيد المقاومة بعد “طوفان الأقصى”، أفرزت واقعاً دولياً جديداً يتوجب على بيدرسن التعامل معه قبل الجلوس والحديث إلى طاولة “اللجنة الدستورية” الأمر الذي قد يجعل الجولة التاسعة ليست كما قبلها في حال انعقدت.
وفي هذا الصدد، أشارت عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني ميس كريدي، في حديث لـ”أثر برس” إلى أن “زيارة بيدرسن تختلف عما سبقها من حيث الظروف السياسية الإيجابية التي حققتها سوريا في العامين الآخيرين، خاصة على الصعيد العربي، والإقرار والإجماع التام عربياً على أن الاستقرار في المنطقة لا يتم من دون الوجود السوري في المحافل العربية والدولية، عدا عن الإجماع العربي على استقلال سوريا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، لافتة إلى أنه “يمكن اعتبار قمة البحرين مؤخراً إفصاح مباشر لطي صفحة الربيع العربي، وإزالة آثاره، وهذا يضاف إلى حصيلة المتغيرات التي طرأت على طاولة نقاش اللجنة الدستورية، ما يمكن اعتبار ذلك أوراقاً رابحة بيد الحكومة السورية، وقوة أكبر في التفاوض، قادرة أن تفرض نفسها في الحديث بمسار اللجنة الدستورية”.
وتطرقت كريدي، إلى الجولات السابقة في اجتماعات “اللجنة الدستورية” موضحة أن “ما كان يحصل من قبل وفود المعارضة في الجلسات السابقة ليس سوى تقديم مطالب لا ترتقي لحوار وطني سوري – سوري، فمعظم مطالبهم هي التي نشأت الحرب لأجلها، ولم يكن منهم أي إدانة لأي سلوك من الدول التي حاربت سوريا، وعززت الحرب عليها”.
وتابعت كريدي أن “كل طروحاتهم (الوفد المعارض) مكتوبة وملغومة بمنظمات وهيئات دولية تعمل للهمينة على سوريا، ومنهم من كان يلتقي علانية بمسؤولين غربيين لأخذ التوجيهات والإملاءات”.
2254 لم يعد يناسب المتغيرات السياسية:
أشارت كريدي في معرض حديثها عن المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية السورية والإقليمية والدولية، إلى أن “سوريا لم تعد معزولة كما كانت عليه في السابق، إذ إن الاعتراف العربي بضرورة عودة سوريا إلى دورها ومحيطها الإقليمي، جرى ترجمته على الأرض من حيث تبادل البعثات الدبلوماسية وافتتاح السفارات والتي كان آخرها سفارة المملكة العربية السعودية، وعليه ونظراً لمتغيرات العربية الدولية، أصبحت هناك حاجة ملحة لإعادة بلورة وهيكلة القرار 2254 الخاص بمجلس الأمن، والمتعلق بالحل السياسي في سوريا”.
وفي هذا السياق يتفق الكاتب والباحث السياسي الدكتور نبيل طعمة، مع عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني بأن الكثير من بنود 2254 لم تعد واقعية، لافتاً في حديث لـ”أثر برس” إلى أن “شروط التغيير السياسي في سوريا التي طرحت في القرار الأممي أصبحت من الماضي، والضغوط الاقتصادية لم تعد مجدية وإن كانت آثارها ما زالت ضاربة بقوة، عدا عن وجود إجماع إقليمي كامل لعودة سوريا لممارسة دورها الطبيعي في المنطقة، وذلك نظراً لواقعيتها السياسية ونجاحها إلى حد كبير في التعامل مع الأزمات الضاغطة”.
وأشار الدكتور طعمة، إلى أن “عدداً من بنود 2254 يجب أن تتغير وأهمها موضوع الدستور السوري القائم، كونه سيتم تعديل بعض من بنوده بما يحمله من فائدة للشعب السوري”، منوّهاً بأن “بيدرسن في زيارته سيتبادل الحوار في عدد من هذه القضايا سواء من جانب اللجنة الدستورية، أم العلاقات العربية والدولية، لكن ما زلنا في بدايات البحث عن الصيغة النهائية التي ستحتاج إلى زمن ليس باليسير”.
اللجنة الدستورية وبداية موت سريري:
يرجّح الكاتب والباحث السياسي الدكتور نبيل طعمة أن مسار “اللجنة الدستورية” إلى “أفول” بحسب تعبيره، وذلك لأسباب عدة أهمها “المتغيرات التي حدثت في عدد من مناطق العالم ومنطقة في الشرق الأوسط، ونتاج التفاهمات العربية مع سوريا، ودعوتها إلى مؤتمر قمة الرياض في المملكة العربية السعودية، وقمة المنامة في مملكة البحرين مؤخراً، ولقاء الرئيس الأسد عدداً من الملوك والرؤساء العرب في رسالة مضمونها أن سوريا قائمة بنظامها وكيانها السياسي، ما يدل على أن الجميع ركبوا قطار الحلول، وعليه تحولت اللجنة الدستورية من دور فاعل إلى دور ثانوي وصولاً إلى انتهائها وذلك لن يكون بالزمن البعيد”.
الجدير بالذكر أنه تم تأسيس اللجنة الدستورية بناءً على اتفاق بين حكومة الجمهورية العربية السورية وهيئة المفاوضات السورية المعارضة، على حزمة اتفاقات بشأن الاختصاصات وقواعد الإجراءات الأساسية، التي أعلنها أمين عام الأمم المتحدة في 23 أيلول 2019 بوصفها بداية المسار السياسي للخروج من الأزمة السورية، بما يتماشى مع القرار 2254، وتعد اللجنة الدستورية في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، وتصوغ إصلاح دستوري يطرح للموافقة العامة، إسهاماً في التسوية السياسية في سوريا، ويمكن للجنة الدستورية أن تراجع دستور 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وأن تعدل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد، وبناء عليه لا يبدو أن مسار الجولة التاسعة -إن عقد- سيكون كما سبقه من جولات دستورية، بل سيكون مفصلياً وأخيراً في هذا الملف، طالما همشته عودة سوريا إلى مسارها الإقليمي والعربي.
د. أحمد الكناني