ساعات قليلة تفصلنا عن موعد المظاهرة المليونية التي دعا إليها زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر والتي من شأنها أن تؤثر على الوجود الأمريكي بشكل فاعل في حال لم تنجح الولايات المتحدة باحتوائها سياسياً و التأثير عليها عبر وكلائها في الداخل العراقي.
حيث جدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أول أمس تأكيد دعوته للتظاهرات التي تدعو لخروج القوات الأمريكية من البلاد، وفي تغريدة له على تويتر حملت عنوان “لا مكان للأغراب في بلدي” قال الصدر إن “الشعب منتفض وذو مدد”، مشدداً على دعمه لتلك المظاهرة قائلاً: “تقدموا فأنا لكم محب ومقتدى”، تلك الدعوات سبقها قبل قرابة الأسبوع دعوة من قبله إلى تظاهرة مليونية تنديداً بوجود القوات الأمريكية وانتهاكاتها، قائلاً: “إن سماء العراق وأرضه وسيادته تُنتهك من قبل القوات الغازية، ستكون هناك وقفات شعبية وسياسية وبرلمانية تحفظ للعراق وشعبه الكرامة والسيادة”.
تلك الدعوات لم ترق للأمريكيين الذين يسعون عبر العديد من الأساليب للتأثير على القرار الدستوري والشرعي بإخراج القوات الأمريكية من البلاد، فالطريق الأول والذي تعتمد عليه الولايات المتحدة بشكل دائم في سياستها الخارجية يقوم على إظهار حالة رفض شعبي للقرارات الحكومية حيث سعت الجيوش الإلكترونية الأمريكية طوال هذا الأسبوع إلى دفع وكلائها وبعض الفئات الشعبية المتأثرة بالنهج الأمريكي إلى نشر حملة ترويجية إلكترونية لبث أفكار تشكك بتلك المظاهرات كالحديث بأنها لا تخدم العراق وترويج فكرة أن العراق بحاجة للأمريكيين بحجة أنهم الضمانة ضد وجود تنظيم “داعش”.
الخطة الأمريكية لم تقتصر على التشكيك بتلك المظاهرات المليونية فحسب بل دفعت وكلائها وبعض القوى الشعبية غير المدركة لسلوكها للقيام بمظاهرات مضادة للمظاهرة المليونية والقيام بأعمال عنف وحالة عصيان مدني حيث انتشرت عدة مقاطع فيديو تظهر أعمال شغب لعراقيين أثناء قيامهم بإغلاق دوائر حكومية في حين قام البعض الآخر بأعمال استفزازية كحرق صورة القيادي في الحشد الشعبي الذي اغتالته الولايات المتحدة أبو مهدي المهندس بهدف دفع الطرف الآخر للعنف وإحداث حالة من الانقسام الشعبي في الداخل العراقي لإيجاد تبريري لبقاء الولايات المتحدة في العراق بحجة وجود فئات شعبية مؤيدة لبقائها في البلاد.
أما الطريق الثاني الذي تسير به الولايات المتحدة هو محاولاتها لتغيير القرار البرلماني العراقي الدستوري الذي نص على وقف العمل بالاتفاقية الأمنية، وبالتالي إخراجها من البلاد والذي ترفض أمريكا تطبيقه رغم أن واشنطن ادعت أنها حضرت إلى العراق لتحقيق الديموقراطية عام 2003، ويأتي هذا الطريق من خلال محاولة إظهار موافقة من قبل الرئاسة العراقية على بقاء تلك القوات وهو ما ظهر يوم أمس في مؤتمر دافوس في سويسرا، وبصورة تطعن بالسيادة العراقية قام الرئيس برهم صالح بالاجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث أكد البيان الختامي بين الجانبين على “ضرورة الحفاظ على دور عسكري أمريكي في العراق” في محاولة أمريكية لضرب قرار البرلمان العراقي المطالب بخروجها من البلاد على “وجه السرعة”، ولم تخف عن المشهد الخباثة الأمريكية المعتادة حيث نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية“، عن مصدر في مكتب صالح، قوله إن “ترامب أكد لصالح أنه لا يريد البقاء في العراق رغماً عن قرار البرلمان والحكومة، ولكن بشكل محترم وبعيد عن الإهانة”، وهو ما ينفيه ادعاءات ترامب المتتالية للخروج من سورية والتي أنهاها بتصريحات استفزازية قال فيها أنه يريد النفط السوري، وكلنا نعلم أن النفط السوري لا يشكل شيء من الثروة النفطية العراقية وشخص متاجر مثل ترامب لن يتخلى عن نفط العراق بهذه البساطة.
سيكون يوم غد الجمعة يوماً مفصلياً للعراق والعراقيين على الرغم من أن الصورة تظهر أن الرئيس العراقي برهم صالح يسير بخطة أمريكية تؤدي إلى حالة انقسام في الداخل العراقي تنتج عنها جبهتين، جبهة مؤيدة وأخرى معارضة للوجود الأمريكي، وكونه يدعو إلى سيادة العراق دعاه العديد من النشطاء العراقيين ليتذكر الزيارة المذلة للرئيس الأمريكي إلى قاعدة عين الأسد قبل أشهر في سلوك يؤكد كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع العراق كمستوطنة أمريكية وكيف تم استدعائه إلى القاعدة ألأمريكية للقاء ترامب فيها على وجه السرعة.
وفي حال تمكنت الولايات المتحدة من التأثير يوم غد على المظاهرات المليونية الداعية إلى خروجها من البلاد قد يكون في هذا الوقت للمقاومة الشعبية كلمة أخرى خصوصاً بعد موقف زعيم “حركة عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي عندما ذكر “بثورة العشرين” ضد البريطانيين، فكما تمكن العراقيين من إخراج البريطانيين في “ثورة العشرين” قبل قرن من الآن سيتمكنون اليوم من إخراج أحفادهم من بلدهم الذي أنهكه الاحتلال الأمريكي.
رضا توتنجي