شهدت الساحة السورية مؤخراً نشاطاً لافتاً للولايات المتحدة الأمريكية، فميدانياً أرسلت واشنطن تعزيزات عسكرية إلى قواعدها شرقي سوريا وأجرت مناورات عسكرية بالمشاركة مع “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” شرقاً ومع “جيش سوريا الحرة” جنوباً، إلى جانب تكرار حوادث الاحتكاكات الجوية الروسية- الأمريكية، أما على الصعيد السياسي فإن المشرعين الأمريكيين يركزون في الآونة الأخيرة على ملف العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، استمراراً لسياسة الحصار.
وتعددت التحليلات عن أهداف واشنطن الرئيسة من هذه التحركات وغيرها، إذ نشر موقع “الميادين نت” تحليلاً للكاتب السوري جو غانم، أشار فيه إلى أن “واشنطن استقدمت أسلحة نوعية جديدة، ودفعت بتعزيزات ومعدات وجنود إلى قواعدها في عموم الشرق السوريّ، وأعادت تدريب وتحشيد مزيد من المقاتلين العرب السوريين، ليكونوا نواة جيوش واشنطن الجديدة التي ستقاتل بها على طول الحدود بين العراق وسوريا، للسيطرة على مساحة البادية السورية كلها، ومحاصرة قوات الجيش السوري والقوى المسلحة الرديفة لها، وقوى المقاومة.. ووصلت بالفعل، إلى هذا الغرض، حشود من المقاتلين العرب والكرد الذين ينتمون لقسد وميليشيا “جيش سوريا الحرة” التابعة للقاعدة الأمريكية في التنف، وقوات الصناديد وما يسمى لواء ثوار الرقة العائد إلى الحياة بعد عمليةِ إحياءٍ أمريكية سريعة، ووضعت قيادة قوات الاحتلال الأمريكي قادة هذه المجموعات وأفرادها، في حالة التأهب، محذّرة من تصعيدٍ وشيك قد يحدث في أيّ لحظة”، وخلُص الكاتب السوري في مقاله إلى أن “الولايات المتحدة واضحة جدّاً مع الشعب السوريّ، فالحصارُ باقٍ، وسيزداد شدّة يوماً بعد يوم، ولن يُسمح لأيّ دولة عربية أنْ تؤدي أيّ خطوة عملية من شأنها كسر الحصار الاقتصادي على هذا الشعب، وخطوات تمزيق سوريا وتفتيتها وتدمير جميع مكتسبات شعبها وسرقة ثرواتها بالكامل، تسير على قدمٍ وساق أمريكياً، وهي تقول لهذا الشعب بوضوح إن لا خيار أمامه سوى الموت جوعاً أو قتلاً”.
أما التحليلات الأمريكية والروسية فتناولت هذه التحركات من جوانب أخرى، إذ نشرت صحيفة “فزغلياد” الروسية تحليلاً لكبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير فاسيليف، أشار فيه إلى أنه بعد التطورات التي شهدتها حرب أوكرانيا قررت الولايات المتحدة الأمريكية اعتماد “الخطة ب” المرتبطة بسوريا، إذ قال: “ربما قررت واشنطن تفعيل القضية السورية بعد تمرد بريغوجين، وهم يراهنون على تصعيد الوضع في سوريا، وإشراك القوات المسلحة الروسية فيه، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى قرارات جيوسياسية مظفرة قبل الانتخابات، سوريا مشروع بعيد الأمد للسلطات الأمريكية، شارك فيه باراك أوباما، لقد ورث الديمقراطيون هذا المشروع، وهم الآن يعودون إليه”، مضيفاً أنه “من المحتمل أن تصعد الولايات المتحدة الوضع في سوريا، وكذلك في أوكرانيا”.
على حين انطلقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في حديثها عن هذه التحركات، من الاحتكاكات الجوية الروسية- الأمريكية التي شهدتها الأجواء السورية، معتبرة أن هذه الاحتكاكات تنبع من “التنسيق المتزايد بين روسيا وسوريا وإيران وتهدف إلى إقناع الولايات المتحدة بمغادرة سوريا”، ونقلت عن مديرة برنامج حوارات المسار الثاني وحل النزاعات في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن راندا سليم، قولها: “قبل الحرب في أوكرانيا ، كان الروس ينظرون إلى سوريا على أنها ساحة للتعاون مع الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أنه “منذ الحرب في أوكرانيا، هناك تقارب متزايد بين المواقف الروسية والإيرانية عن النهاية، وهي خروج القوات الأمريكية من سوريا”.
وتتزامن هذه التحركات الأمريكية مع تطورات عدة طرأت على سوريا سياسياً وميدانياً، إذ شهدت الآونة الأخيرة تراجع التنسيق الروسي- الأمريكي في سوريا الأمر الذي برز بوضوح بتبادل انتهاكات “بروتوكولات منع التصادم” الموقعة بين الجانبين عام 2015، تبادلاً متكرراً وكذلك تركيا التي أكدت مؤخراً مرات عدة ضرورة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا لدعمها “الوحدات الكردية” الذين تعدهم أنقرة أنهم يشكلون تهديداً لأمنها القومي، إلى جانب تزامنها مع الانفتاح العربي على دمشق.