خاص – أثر برس
قوانين وممارسات مختلفة تفرضها تركيا وفصائلها المسلحة بحق المواطن السوري في مدينة “عفرين” والقرى التابعة لها في ريف حلب الشمالي الغربي، الأمر الذي تحاول من خلاله أنقره أن تدفع بسكان المنطقة الأصليين إلى مغادرتها لتمنح قراهم لعوائل الفصائل المسلحة التي خرجت من أرياف “حمص – دمشق” لتكون جزءاً مما تسميه تركيا بـ “غصن الزيتون”.
أولا.. إهانة المقدسات
مطلع الأسبوع الحالي، دمرت القوات التركية مرة جديدة مزار “الشيخ حميد” في قرية “قسطل جندو” في ريف حلب الشمالي الغربي، فضلاً عن تدمير أماكن دينية في مناطق متفرقة من ريف حلب الشمالي الغربي الذي تحتله إلى جانب فصائل “غصن الزيتون”.
وبحسب رواية السكان المحليين، فإن القوات التركية كانت قد دمرت المزار سابقاً، إلا أن الأهالي عادوا لترميمه، لتعود القوات التركية وتقوم بتدميره، إضافة إلى قطع شجرة تعرف باسم “شجرة الشيخ حميد”، التي يعيرها السكان اهتماماً خاصاً.
كما قامت بتدمير “مقام آف غيري” في قرية “معبطلي”، إضافة إلى تدمير مقام “أصلان دادا”، الذي يقع إلى الجنوب من قرية “خضريا”، كما دمرت مزار “شيخموس” بالقرب من قرية “ميدانيات”، ونبشت القبور القديمة المحيطة بالمزار بحثاً عن “الكنوز” التي يشاع بأنها مدفونة فيها، كما تعرض “مزار حنان” التاريخي خلال الفترة الممتدة بين شهر أيلول وكانون الأول من العام الماضي لأعمال حفر وتخريب من قبل الفصائل المسلحة المدعومة تركياً، ويأتي ذلك بعد أن كانت المواقع الأثرية في المنطقة قد تعرضت للقصف خلال عملية “غصن الزيتون” التي انتهت بدخول القوات التركية إلى مدينة عفرين والمناطق التابعة لها في آذار من العام الماضي، ومن هذه المواقع “عين داره الأثري، – النبي هوري – موقع براد الأثري – آثار منطقة خرابي رهزا – كنيسة علبسكي”.
ولم تكتف تلك الفصائل بهدم المقدسات، بل قامت بنبش مقابر المدنيين في قرية “قسطل جندو”، كما أن كامل المقابر الواقعة في المنطقة تعرضت للاعتداء بالجرافات لإزالة الشواهد والقباب المبنية فوقها بحجة أن مثل هذه القباب “مخالفة للشريعة”، وفقاً للمعتقدات المتطرفة التي تفرضها الفصائل المسلحة على سكان المنطقة.
عنصرية المساعدات
عدد من المنظمات القطرية تنشط في مناطق ريف حلب الشمالي الغربي لتقديم “معونات” ومبالغ مالية لعوائل الفصائل المسلحة التي خرجت من مناطق متعددة من سورية لتستقر في المنطقة تحت حماية القوات التركية.
ويؤكد بعض السكان المحليون خلال حديثهم لـ “أثر برس”، أن منظمة تدعى “عطاء بلا حدود”، من الجنسية القطرية، منحت أسر المسلحين “سلال غذائية”، إضافة لمبلغ 50 دولار أمريكي لكل عائلة مقيمة في ناحية “جنديرس”، على أن يكون هذا المبلغ شهرياً، وذلك بهدف الإبقاء عليهم في المنطقة ضمن خطة تركية لتغير البنية الديمواغرفية للمنطقة.
جمعية قطرية ثانية تحمل اسم “منظمة قطر لإعادة الأمل للأرامل”، نشطت في مناطق المخيمات التي تأوي مسلحي الفصائل مع عوائلهم، عملت على توزيع منشورات تشجعهم على “الزاوج بالأرامل”، وروج عناصر هذه الجمعية لمعلومات تفيد بمنح الجمعية المذكورة مبلغ 3000 دولار أمريكي لمرة واحدة لأي شخص يتزوج من “أرملة”، إضافة لمنح مبلغ 200 دولار أمريكي شهرياً، لكل “أرملة” تتزوج مرة أخرى.
الجمعيات القطرية التي تنشط في المنطقة لتحقيق أهداف تركيا، تحجب مساعداتها عن سكان المنطقة الأصليين أياً كان انتمائهم، بحجة أن عوائل المسلحين القادمين بشكل أساسي من أرياف “دمشق – حمص”، أحق بهذه المساعدات، دون تقديم مبررات منطقة لهذه الأحقية.
اعتقال للحياة
تقول المصادر الأهلية إن “الغرباء” ممن جلبتهم القوات التركية باتوا يشكلون ما نسبته 35 % من سكان بلدة “جنديرس”، ناهيك هن سيطرة الفصائل واستيطانها لقرى عدة في محيط البلدة المتوسطة الحجم في ريف حلب الشمالي الغربي.
ولا تميز القوات التركية في ممارساتها بين سوري وآخر، فالمستهدف ليس فقط تهجير الأكراد من المنطقة وحسب، بل حتى أبناء العشائر العربية وكل من يمتلك قطعة أرض تريد الفصائل مصادرتها عليه المغادرة، أو الخضوع للقوانين التعسفية التي تفرضها هذه الفصائل بدعم من تركيا، ولا تقف مثل هذه الممارسات عند قطع أشجار الزيتون أو مصادرة المساحات الزراعية المزروعة بالزيتون، إذ فرضت ما قيمته 1500 ليرة سورية على كل “تنكة زيت” يحتفظ بها السكان من الموسم الماضي.
وبحسب مصادر أهلية تفضل عدم الكشف عن هويتها خلال حديثها لـ “أثر برس”، فإن الفصائل المدعومة من أنقرة فرضت مؤخراً على العوائل القاطنة في قرى “شيخ حديد – چَقلا – كاخرة – خليل – قرمتلق”، مبالغ مالية تتراوح بين 50-200 ألف ليرة سورية، تحت مسمى “الزكاة”، وترتبط قيمة المبلغ المفروض على العائلة بحسب كمية “زيت الزيتون” الذي انتجته العائلة في الموسم الماضي أيضاً.
كما فرضت الفصائل ما أسمته بـ “الدية” على الشبان الذين كانوا قد جندوا سابقاً في صفوف الوحدات الكردية تبعاً لقانون “واجب الدفاع الذاتي” الذي فرضته ما تسمى “الإدارة الذاتية” خلال فترة وجودها في مدينة عفرين، ويتراوح مبلغ هذه “الدية” ما بين 1500 – 4000 دولار، بحسب الرتبة التي كان يخدم بها في صفوف الوحدات الكردية.
مصير أكثر من 300 شاب من المنطقة ما يزال مجهولاً بعد أن سلموا أنفسهم للقوات التركية بعد خروج الوحدات الكردية من مدينة “عفرين” خلال شهر آذار من العام الماضي، وبحسب المصادر الأهلية في المنطقة فإن كل مجهولي المصير هم من الذين كانوا قد أجبروا على الالتحاق بالوحدات الكردية تحت مسمى “واجب الدفاع الذاتي”، أو من الموظفين المدنيين الذين كانوا يعملون لصالح ما يسمى بـ “الإدارة الذاتية” التابعة للوحدات الكردية في عفرين.
محمود عبد اللطيف – المنطقة الشرقية