خاص || أثر برس
على خلاف الإرباك الحاصل في الشمال السوري، ظهر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان عقب اللقاء الأخير الذي جمعهما في موسكو في قمة التوافق والحميمية، والتي عبر عنها الاثنان في المؤتمر الصحافي بحديثهما، ولكن النقطة الأهم هو الاحتواء الروسي لمشروع “المنطقة الآمنة” التي يتلاعب من خلاله أردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغم اختلاف حيثيّات إقامة هذه المنطقة بينهما، فيسعى أردوغان بدون أدنى شك إلى التوغل في الأراضي السورية بذريعة إقامة منطقة آمنة لحماية اللاجئين السوريين، وليتسنى له بعد ذلك ضرب “قوات سوريا الديمقراطية” عسكرياً، أما الولايات المتحدة الأمريكية تريد إنشاء “منطقة عازلة” من خلال اللعب بتوصيفها، للفصل بين القوات التركية شمالاً وحلفائها الأكراد جنوباً، وبالتالي عرقلة استعادة سيطرة الدولة السورية لمناطقها شرق الفرات وشمال سوريا، وإرساء عدم الاستقرار لمدة تطول بهدف تعقيد المسألة وتأخير عملية التسوية السياسية في سوريا.
يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً أن التطمينات التركية وحديث أردوغان المتكرر عن عدم نيته السيطرة على أراضٍ سورية محض كذب، وخصوصاً بعد تأكيد الجانب الروسي على قشل تركيا بتنفيذ إتفاق إدلب، ورغم التفهّم الروسي لعدم رغبة الأتراك ببقاء الوجود الكردي المتمثل بـ “قوات سوريا الديمقراطية” ذات المكون الكردي الرئيسي فيها جنوب حدودهم، وهو هدف مشترك أيضاً للدولة السورية لمنع تقسيم البلاد كما تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية، حيث من الواضح أن الأخيرة تعقّد التفاهمات التي يجريها الأكراد مع الدولة السورية، للوصول إلى تسوية تقضي بانتشار القوات السورية على الحدود شمالاً بضغوطٍ منها، فيريد الأكراد بناءً على ذلك أن تكون فصائلهم المسلحة المدعومة إماراتياً وسعودياً أيضاً جزء من القوات السورية، تنتشر شمال الفرات على الحدود، وهو مالم تقبل به الدولة السورية بأي شكل من الأشكال.
صدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أردوغان خلال المؤتمر الصحافي بعد طرحه لاتفاقية “أضنة” الموقعة عام 1998 بين تركيا وسوريا، والتي تقضي بالتنسيق بين الطرفين في محاربة الإرهاب، وبذلك يُلزم بوتين الأتراك بالتطبيع الهادئ مع الدولة السورية، واعتبار الاتفاق شرطاً علنياً بيد دمشق لتسمح من خلاله لأردوغان بمحاربة تنظيم “داعش” في سوريا، غير أن الدولة السورية ربطت ذلك بخروج الأتراك من كافة المناطق السورية التي احتلتها القوات التركية في مناطق عمليات “درع الفرات” و “غصن الزيتون” في عفرين وجرابلس والباب، الأمر الذي يؤدي إلى الحيلولة دون دخول الأتراك إلى منبج أيضاً، والتمهيد كذلك لحسم معركة إدلب في الأيام القليلة القادمة.
لابد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من السعي للتقرب من الرئيس السوري بشار الأسد، فالولايات المتحدة الأمريكية تهدد أردوغان بحرب اقتصادية غير مسبوقة في حال تعرض الأخير لحلفائها الأكراد، ويعرف أردوغان أن السبيل الوحيد لتحقيق رغباته هو إستعادة سيطرة القوات السورية على مناطق شرق الفرات وشمال سوريا، كما أن لعودة أردوغان إلى دمشق تنافس مرتبط بالسعودية وسباق إخواني ـ وهابي مشترك، لكنّه لا يعني لمبادئ انتصار الدولة السورية شيئاً.
علي أصفهاني