خاص || أثر برس غصّت أسواق مدينة حلب خلال الأيام الثلاثة الفائتة بشكل خاص، بمئات الآلاف من الأسر الحلبية التي تهافتت إلى مختلف الأسواق المنتشرة في أحياء المدينة بهدف تسوق الملابس بالدرجة الأولى، وشراء المستلزمات الضرورية لاستقبال عيد الفطر السعيد.
الأسواق التقليدية المعروفة التي لطالما كانت على مدار سنوات طويلة مقصداً رئيسياً للحلبيين، شهدت اكتظاظاً واختناقات حادة نتيجة الإقبال الكبير من الأهالي، والحصة الأكبر من هذا الازدحام تركزت في أسواق التلل، الفرقان، شارع النيل، الموكامبو، وسوق سيف الدولة العائد حديثاً إلى مكانته السابقة بين الأسواق التقليدية بعد سنوات طويلة من توقفه نتيجة ظروف الحرب التي عاشتها المدينة.
وتصدّرت محال الألبسة، قائمة المحال الأكثر استقطاباً للمتسوقين وخاصة منها محال بيع ألبسة الأطفال التي حظيت بالنسبة الأكبر من المتسوقين، وخاصة منها المحال الواقعة في أسواق الموكامبو والتلل والعزيزية، في حين نالت محال بيع الضيافة التقليدية المرتبة الثانية من حيث اجتذاب المواطنين الراغبين بتسوق “ضيافة العيد”، لتأتي محال بيع الحلويات العربية والتقليدية و”محامص” المكسرات في المرتبة الثالثة.
وتفاوتت أسعار الألبسة الجاهزة بين سوقٍ وآخر، لكن السمة الغالبة على الأسعار في مدينة حلب كانت تشير إلى الارتفاع مقارنة بالسنوات السابقة وخاصة على صعيد ألبسة الأطفال التي ناهزت أرقاماً قياسية مقابل الألبسة “الرجالية” والنسائية، الأمر الذي حرم عدداً من أرباب الأسر من شراء ملابس العيد لتفضيلهم شراء الألبسة لأطفالهم بدلاً منهم، كما يروي “أدهم” وهو موظف حكومي، والذي أوضح لـ “أثر برس” بالقول: “أسعار ألبسة الأطفال في هذا العام كانت مرتفعة لدرجة لم نتوقعها ووصل سعر اللباس (البدل الكامل) للطفل الواحد من قميص أو (بلوزة) وبنطال وحذاء إلى ما يقارب الـ /15/ ألف ليرة سورية علماً أنني لم أقصد المحال الفخمة أو الواقعة في الأسواق الراقية، وباعتبار أن لدي طفلين فاضطررت لدفع نحو /30/ ألف ليرة لشراء ملابس العيد لهما أي ثلاثة أرباع راتبي تقريباً ولذلك لم أتمكن من شراء ملابس العيد لي أو لزوجتي وآثرنا بكل (ممنونية) أن نشتري لطفلينا كون العيد لهما أكثر من أن يكون لنا ككبار”.
وفي ظل ارتفاع ألبسة الأطفال، سجلت أسعار متوسطة على صعيد الألبسة الرجالية والنسائية ولكن ضمن الأسواق التقليدية والشعبية دون الراقية، وفي حين بلغت أسعار الألبسة في أسواق الموكامبو والفرقان وشارع النيل والعزيزي” أرقاماً خيالية، سجلت أسعارٌ مقبولة ووسطية نسبياً في باقي أسواق وسط المدينة وأسواق الأحياء الشرقية كسوق التلل وسيف الدولة وصلاح الدين والجميلية والعبّارة، الأمر الذي عزاه عدد من المواطنين خلال لقاءٍ مع “أثر برس” إلى عدة أسباب تصدرتها مسألة جودة المنتج ونوعية القماش المصنوع منه و”الموديلات” المعروضة.
وقالت “هيا” طالبة جامعية كانت تتسوق الملابس من سوق “التلل”، خلال حديثها لـ “أثر برس”: “قصدنا أنا وصديقاتي سوق الموكامبو لشراء ملابس العيد، إلا أننا صعقنا بالأسعار الموضوعة على واجهات المحلات، لذلك بدأنا نقصد باقي الأسواق بحسب ترتيب تصنيفها العمراني، فوجدنا الأمر ذاته ينطبق على الأسعار في الفرقان وكذلك في شارع النيل، وانتهي بنا المطاف هنا في سوق التلل وتمكنا أخيراً من العثور على ضالتنا من حيث البضاعة المقبولة وبأسعار مناسبة تقريباً مع الميزانية التي خصصها لنا أهلنا لشراء ملابس العيد”.
من جانبه استنكر “أبو عادل”، موظف متقاعد، ارتفاع أسعار الألبسة في أسواق حلب، معتبراً أن هذا الارتفاع ما هو إلا لعبة “قذرة” من قبل بعض تجار الجملة المسيطرين على الأسواق، مضيفاً: “كلنا نعلم بأن عدد معامل النسيج والألبسة في حلب تضاعف عدة مرات عما كان عليه في السنوات السابقة وبإمكان من لا يصدق أن يذهب إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار ليرى كمّ المعامل التي عادت للعمل، فهل من المعقول أن ترتفع أسعار الألبسة والتي هي في معظمها مصنعة محلياً هنا في حلب هذه السنة، بينما كانت تسجل أرقاماً أقل بكثير خلال العامين الماضيين رغم عدم وجود هذا العدد الكبير من منشآت صناعة الألبسة؟!”.
ووحدها “البسطات”، وكما عادتها، لعبت دوراً كبيراً في إنقاذ محدودي الدخل وأسهمت في التخفيف من أعباء شراء الألبسة في ظل الأسعار المتهاودة نسبياً التي تقدمها مقارنة بالمحال التجارية، ولذلك بات مشهد الازدحام الكبير من المواطنين المصطفين على “البسطات” وخاصة في أسواق التلل والجميلية وشارع النيل، المشهد الأبرز ضمن هذه الأسواق.
“ملَك” طالبة جامعية، اعتادت على شراء ملابسها من محال “الماركات” العالمية الموجودة في مدينة حلب، إلا أنها قررت في العام الحالي وفق ما قالته لـ “أثر برس”، أن تشتري حاجتها من الملابس من البسطات العادية، مؤكدة أن: “ما تقدمه البسطات قد لا يقل جودة عما هو معروض في المحلات، إلا أن الفرق هو أن صاحب (البسطة) لا يمتلك مظاهر (الترف) أو (الماركات) التي تعرضها المحال”.
ولعل أجمل مظاهر وقفة العيد ضمن أسواق حلب، تجسّد في عودة سوق “سيف الدولة” إلى ما كان عليه في سابق عهده قبل نحو /8/ أعوام، فرغم عودته المقبولة خلال العامين الماضيين، إلا أنه وفي وقفة العيد الحالية عاد إلى استقطاب الشريحة الأكبر من المتسوقين في مشهد لطالما غاب عن هذا السوق الذي يتخصص ببيع الألبسة بأنواعها إلى جانب الأحذية ومستلزمات المنازل من زجاجيات وصناعات نسيجية، ليغص السوق بجموع المواطنين الذين تهافتوا إليه من مختلف أنحاء مدينة حلب وخاصة في ظل موقعه الاستراتيجية الذي يتوسط الأحياء الغربية والشرقية.
كما أسهمت إعادة إقلاع المركزين الكبيرين الموجودين في السوق المشهورين باسم “مولات سيف الدولة” في اجتذاب الآلاف من الأهالي، فيما تسابق أصحاب المحال التجارية المُستَثمرة ضمن “المولين” إلى تقديم عروض وأسعار تشجيعية ساعدت المواطنين على اختيار ما يناسبهم من ملابس، ومن مكان واحد بدلاً من الاضطرار إلى التجول لساعات طويلة في شوارع المدينة وأسواقها، إلا أن “صالح” من قاطني حي شارع النيل، بيّن لـ “أثر برس” بأن السبب الرئيسي لتسوقه من سوق “سيف الدولة” لم يكن للبحث عن الأسعار المنافسة أو عن نوعية معينة من البضائع: “فالألبسة موجودة في جميع الأسواق وهي متشابهة تقريباً في الشكل والنوع، لكن ما دفعني إلى قصد مولات سيف الدولة كان استرجاع ذكريات ما قبل الحرب والحياة الرغيدة والهادئة التي كنا نعيشها في ذلك الحين”.
يذكر أن المحال التجارية في جميع أسواق مدينة حلب وعلى اختلاف اختصاصاتها، رفعت وتيرة جهوزيتها لاستقبال عيد الفطر منذ دخول العشر الأخير من شهر رمضان المبارك، وباتت تستقبل جموع المواطنين منذ ساعات الصباح وحتى حلول فجر اليوم التالي، فيما جرت عادة أصحاب المحال على فتح أبواب محالهم أمام المتسوقين في وقفة عيد الفطر منذ ظهر اليوم الأخير من رمضان وحتى حلول صباح اليوم الأول من العيد.
زاهر طحان – حلب