زياد غصن || أثر برس يمكن القول إن عهد ترأس المهندسين لرئاسة مجلس الوزراء بدأ مع تشكيل المهندس عبد الرؤوف الكسم وزارته الأولى في العام 1980، و”لتكر” من بعدها “سبحة” المهندسين، حيث تولى سبعة منهم مهمة تشكيل الوزارة بين عامي 1980و2024، وذلك من بين تسع وزارات جرى تشكيلها خلال الفترة المذكورة، أي ما نسبته حوالي 77.7%.
فالكسم الذي شغل منصب رئيس مجلس الوزراء بين عامي 1980 و1987 سلم منصبه للمهندس محمود الزعبي، والذي استمر في رئاسة مجلس الوزراء لأكثر من 13 عاماً من عام 1987 ولغاية عام 2000 ليأتي بعده الدكتور مصطفى ميرو الحاصل على شهادة دكتوراه باللغة العربية ويستمر في منصبه لغاية العام 2003 عندما استعاد المهندسون مرة أخرى مهمة تشكيل الوزارة، وذلك مع تكليف المهندس محمد ناجي عطري الذي بقي في منصبه لغاية نيسان من العام 2011، حيث كلف الدكتور المهندس عادل سفر بالمهمة، والتي كانت الأقصر زمنياً بالنسبة لرئيس مجلس وزراء، حيث استمر سفر في مهمته عاماً وشهرين تقريباً، وذلك قبل أن يجري تكليف المهندس رياض حجاب، الذي انشق وهرب إلى خارج البلاد بعد حوالي 44 يوماً من توليه منصبه، الذي آل تكليفاً لثلاثة أيام للمهندس عمر غلاونجي نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الخدمات.
الخرق الثاني لسيطرة المهندسين على تشكيل الوزارة جاء مع تكليف الدكتور وائل الحلقي (طبيب نسائية) بتشكيل الوزارة مرتين، الأولى في العام 2012 والثانية في العام 2014، ثم جاء المهندس عماد خميس بين عامي 2016 و2020، فالمهندس حسين عرنوس الذي كلف بداية بتسيير أمور مجلس الوزراء بعد إنهاء تكليف المهندس خميس، ثم بتشكيل الحكومة مرتين الأولى في العام 2020 في أعقاب انتخابات مجلس الشعب، والثانية في العام 2021 بعيد الانتخابات الرئاسية.
لا يعرف على وجه الدقة أسباب ميلان كفة تكليف المهندسين بتشكيل الوزارات المتعاقبة خلال العقود الأربعة الماضية، لكن يبدو أن قرار إلزام خريجي الكليات الهندسية بالعمل لدى مؤسسات الدولة والقطاع لعدة عقود أسهم في تغلغل حملة الشهادة الهندسية في جميع مفاصل العمل الحكومي، وتالياً تعاظم فرصهم في تولي المناصب والمهام الوظيفية على اختلاف مستوياتها رغم ما كانت تمر به البلاد من أزمات ومحاولات إصلاحية اقتصادية، والتي تفرض بطبيعة الحال قيادة شخصية اقتصادية وتنموية للبلاد.
لكن هل نجح المهندسون حيث فشل الآخرون؟
أو لنطرح السؤال بصيغة أخرى: ما الذي أضافه المهندسون للأداء الحكومي أثناء توليهم رئاسة مجلس الوزراء؟
صحيح أنه لا يمكن إطلاق أحكام عامة تشمل جميع من تعاقبوا على رئاسة الوزراء، لكن الكثير من الآراء تُحمل وزارات المهندسين ما آلت إليه العملية التنموية في البلاد من إخفاقات وفشل كبير، فالأزمات الاقتصادية والتحديات السياسية التي واجهتها البلاد خلال العقود الأربعة الماضية كانت تتطلب رجالات تنمية واقتصاد وليس موظفين لديهم خدمة طويلة في مؤسسات الدولة أتاح لهم الاجتهاد أو الحظ أو العلاقات الشخصية التدرج في المناصب الوظيفية، وهي سمة ليست كافية للجزم إن هؤلاء أصحاب خبرة وتجربة يمكن الاستفادة منها.
وهذا يقودنا إلى الوضع الراهن، فمع اقتراب الإعلان عن تكليف شخصية ما بتشكيل الوزارة الجديدة، فإن السؤال الذي يتبادر أولاً إلى أذهاننا جميعاً: هل نحن في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بحاجة إلى شخصية اقتصادية تتولى تشكيل الوزارة ومعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور؟ أم أننا بحاجة إلى شخصية لديها خبرة وتجربة طويلتين في العمل الحكومي تكون قادرة على إنجاز الإصلاح المؤسساتي؟ أم أن الإبقاء على الحكومة الحالية ضرورة مرحلية بحجة استكمالها تنفيذ ما تدعي العمل عليه من مشروعات أساسية؟
في ضوء أولوية الوضع الاقتصادي المتأزم واستحواذه على الاهتمام الشعبي والرسمي في آن معاً، فإن تكليف شخصية اقتصادية بتشكيل الوزارة الجديدة يبقى الخيار الأكثر ترجيحاً لعدة عوامل أبرزها الآتي:
-طبيعة المهام التي تنتظر الحكومة الجديدة، والتي في مقدمتها إطلاق حوار وطني هدفه مراجعة السياسات العامة المطبقة منذ عقود وتقييمها وتقديم مقترحات لتطوير آليات عملها وإجراءاتها وتلمس مخارج للأزمة الحالية. ومعظم هذه السياسات اقتصادية بالمطلق أو مرتبطة بالشأن الاقتصادي.
-استحواذ الشأن الاقتصادي والمعيشي على الجزء الأكبر من النشاط الحكومي أو هكذا يفترض، الأمر الذي يتطلب وجود “مايسترو” متخصص يكون قادراً على التحليل والمقاربة الاقتصادية والتنسيق بين الوزارات لا شخص يلم بمبادئ وأفكار عامة في علم الاقتصاد.
-الأخطاء “الشنيعة” التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة، لاسيما الحالية، أثناء مقاربتها للسياسات والإجراءات والملفات الاقتصادية، وأدت إلى تفاقم صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد وفقدان الثقة الشعبية بالأداء الحكومي وإمكانية تحسن الأوضاع أو وقف تدهورها على الأقل.
-توجه الدول الممولة للعمليات الإنسانية في سوريا للانتقال من مرحلة دعم عمليات الإغاثة إلى دعم مشروعات التعافي المبكر في سوريا، وهناك مؤشرات مشجعة على ذلك، فضلاً عن الجهود المحلية التي تبذل بهذا السياق.
-الانفتاح العربي والإقليمي المتزايد، والذي يتطلب إدارة اقتصادية تكون قادرة على استثمار ذلك الانفتاح وخلق فرص تعاون تعود بالنفع الاقتصادي على البلاد في هذه المرحلة الصعبة.
قد يقول قائل: هذه المهام لا تفرض بالضرورة وجود شخصية اقتصادية على رأس الحكومة الجديدة، إذ يمكن تكليف نائب اقتصادي أو حتى وزير اقتصاد للقيام بها، لكن من يعرف آلية عمل الحكومة لدينا وسلطة رئيس مجلس الوزراء يدرك أننا بحاجة إلى شخصية اقتصادية في هذه المرحلة.
هي مجرد مقاربة تحليلية قد تكون من منظور البعض غير محقة نظراً لوجود معطيات أخرى مخالفة لكل ما ذكر سابقاً، إنما في كل الأحوال نأمل أن توفق البلاد بحكومة جديدة قلبها على الوطن والمواطن.