زياد غصن || أثر برس بعد مرور نحو أربع سنوات على انتشار فيروس كوفيد 19 في سوريا والإجراءات الاحترازية التي اتخذت حكومياً للحد من انتشاره والتخفيف من آثاره، بدأت تتكشف رسمياً حصيلة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الفيروس، والذي شكل بحسب التقديرات الرسمية “عاملاً أسهم في مضاعفة آثار التطورات السلبية العديدة على الاقتصاد السوري، والذي يعاني أصلاً من الهشاشة بسبب سنوات الحرب والعقوبات والكوارث الطبيعية”.
في التقرير الصادر مؤخراً، والمتعلق برصد واقع مؤشرات تنفيذ الأهداف التنموية لعام 2030، يقدم الخبراء الوطنيون مجموعة من المؤشرات الإحصائية -تنشر لأول مرة- لتأثيرات انتشار الفيروس تبعاً لمعظم أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها عالمياً 17 هدفاً.
– مزيداً من الفقر والمعاناة:
تذهب التقديرات الرسمية إلى أن انتشار كوفيد-19 أدى إلى انخفاض في دخل 37 % من الأسر السورية بسبب إجراءات الإغلاق العام والجزئي بين عامي 2020 -2021، والملاحظ هنا أن نسبة الأسر الحضرية التي تراجع دخلها، والبالغة حوالي 39%، كانت أعلى من نسبة الأسر الريفية البالغة 36%، كما أن نسبة الأسر التي يرأسها الرجال وتراجع دخلها كانت أعلى من نسبة الأسر التي ترأسها النساء، فالأولى بلغت 40% في حين أن الثانية 25%، وربما يتوضح الأمر أكثر إذا علمنا أن أكثر من 77 ألف عامل فقدوا عملهم خلال فترة الإغلاق.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية التي بذلت خلال فترة الإغلاق عام 2020، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد حدوث ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بسبب تكاليف النقل والإغلاقات العامة والجزئية عامي 2020 و2021، وهذا كان له تأثيره على مسألة تراجع مؤشرات الأمن الغذائي والقضاء على الجوع، فمثلاً ارتفع مؤشر أسعار الأغذية بنسبة 33.9%، وارتفع سعر السلة الغذائية المرجحة بمقدار الضعفين، وانخفضت كذلك خدمة تغذية الأطفال بنسبة 27%.
في المجال الصحي، والذي تجلت تأثيراته بوضوح عامي 2020-2021، تعترف الحكومة بارتفاع معدل الوفيات، لكن من دون أن تقدم مؤشرات إحصائية عن ذلك، إلا أنها في المقابل تشير بوضوح إلى توقف 17% من الخدمات الصحية الأساسية عام 2020، و27% في العام التالي 2021، فضلاً عن انخفاض إمكانية الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية الأساسية بنسبة 34% بين عامي 2020 -2021، والأخطر أن جائحة كوفيد -19 أدت إلى تراجع هائل في قدرة الأنظمة الصحية وتغيير الخطط والسياسات في المؤسسات الصحية كما في جميع دول العالم، علماً أن نسبة الذين تلقوا اللقاح لم تتجاوز 8% فقط.
ولم تكن الخدمات الأساسية الأخرى بمنأى عن التداعيات العميقة للجائحة، ففي قطاع التعليم الذي توقف العمل فيه لفصل دراسي كامل تكشف التقديرات الرسمية أن حوالي 22.9% من الطلاب تركوا مدارسهم خلال السنة الدراسية 2020-2021، ومع أن التقديرات تقر بأن 59% من المدارس كان لديها قصور في تطبيق تدابير الحد من مخاطر الفيروس، إلا أن واقع معظم المدارس يشير إلى أن النسبة أعلى من ذلك بكثير لأسباب متعلقة بعدم توفر الإمكانيات المادية اللازمة للمدارس العامة، عملية استثمار ما هو متاح من موارد والتي تعاني من ضعف وهدر كبيرين، والوضع الاقتصادي الصعب لمعظم الأسر السورية، لاسيما وأن نسبة استخدام المعقمات لم تتجاوز 43%، ارتداء الكمامات 33%، والتباعد الجسدي 21%.
الوصول إلى مياه الشرب والنظافة الصحية شكل كذلك معاناة لغالبية الأسر السورية خلال فترة الجائحة، إذ إن 82% من السكان تأثروا بنقص كميات مياه الشرب، و51 % تأثروا بمستلزمات النظافة وخدمات الصرف الصحي.
– الناتج المحلي سالباً:
على صعيد المؤشرات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في البلاد، تظهر التقديرات المشار إليها حدوث تراجع متفاوت في جميع المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية، وهو ما يؤكد أن جائحة كوفيد-19 كان لها أثر بالغ في تفاقم الأوضاع الاقتصادية وزيادة تدهورها خلال السنوات التالية، لكن السؤال: ماذا فعلت الحكومة لتدارك هذا التراجع في المؤشرات الاقتصادية؟ وهل قرأتها أصلاً؟
أولى المؤشرات الهامة ما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي الذي انخفض معدل نموه من 1.2% إلى -3.9%، ونجم بفعل الضرر الكبير الذي لحق بقطاعات أساسية كالصناعة، النقل، التجارة، الخدمات الاجتماعية والشخصية وغيرها. قطاعياً يمكن الإشارة إلى مجموعة من المؤشرات منها انخفاض الإنفاق على السياحة بنسبة 40%، انخفاض النقل البحري التجاري بنسبة 25%، انخفاض نسبة مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج من 41% إلى 39%، توقف 24% من المشاريع بشكل كامل خلال فترة الحظر، 28% توقفت بشكل جزئي، 17% من المشاريع قلصت ساعات عملها، وفقط 29% من المشاريع استمرت بعملها كالمعتاد وهناك 2% من المنشآت أو المشاريع زاد حجم عملها (نقل، منظفات، ألبسة لإنتاج كمامات).
وفيما كان الصناعيون السوريون تحت وطأة صدمة الخسائر والخراب الذي لحق بمنشآتهم ومعاملهم جراء عشر سنوات من الحرب، حتى جاءت جائحة كوفيد-19 في العام 2020 لتزيد من حجم معاناة الصناعة السورية، فمثلاً نسبة المشروعات الصناعية من مجمل المشاريع التي توقفت بشكل كامل بفعل الجائحة بلغت 12%، والمشاريع الصناعية التي توقفت بشكل كلي شكلت ما نسبته 18% من مجمل ما توقف كلياً خلال فترة الجائحة.
وكما هو متوقع فإن الإجراءات الاحترازية التي اتخذت أدت إلى حدوث انخفاض في عدد الركاب المنقولين بين المحافظات، وكذلك في نقل البضائع والشحنات وارتفاع كلف الاستيراد.. وما إلى ذلك.
ربما من المهم اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على ظهور الجائحة وانتشارها، أن تعمل المؤسسات الحكومية المعنية على إجراء دراسة أخرى غايتها الوقوف على استمرارية الأضرار والخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي منيت بها البلاد جراء الجائحة، والأسباب المسؤولة عن استمرار توقف المشاريع الصناعية مثلاً، تعمق حالة انعدام الأمن الغذائي للأسر، ارتفاع معدل البطالة.. وغيرها.