46
خاص || أثر برس
عندما وصل وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي إلى سوريا في نهاية آب الماضي لتوقيع الاتّفاقية الدفاعية و التقنية بين طهران ودمشق، وإعادة بناء الصناعات الحربية في القوات السورية، خرجت الولايات المتحدة الأمريكية لتربط انسحاب قواتها من سوريا بشروط تمليها على الدولة السورية تبدأ بطلب انسحاب المستشارين الإيرانيين من الجنوب السوري المتاخم للجولان المحتل، بالإضافة إلى الحصول على ضمانات خطية لشركاتها تضمن حصة من قطاع النفط في مناطق شرق سوريا، وبذلك تستجيب للضغوطات “الإسرائيلية” عليها، وتحافظ على المكاسب بعد إنفاقها 70 مليار دولار على دعم الفصائل المسلحة وفي مقدمتها “قوات سوريا الديمقراطية” ذات المكون الكردي الرئيسي فيها، ولتثبّت سياسة الفوضى وعدم الاستقرار التي ترمي إليها في المنطقة.
كان قرار دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا مُنافياً لتوجهات القادة العسكريين الأمريكيين وعلى رأسهم وزير الدفاع جايمس ماتيس الذي استقال مباشرةً بعد القرار، بينما بقي جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي غائباً عن التصريحات السياسية ليتبيّن بعد التسريبات التي ظهرت للعلن أن بولتون دعا إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران في أيلول الماضي، وهذا الأمر الذي عارضه جايمس ماتيس بشدة، ولكن يبدو أن ترامب على يقين وقناعة بأنه يجب على الأمريكيين نقل ساحة صراعهم بعيداً عن سوريا جزئياً مع الإبقاء على خطوط الاشتباك التي رُسمت بين الأتراك والأكراد شمال سوريا مفتوحة للمراوغة، فأطلق ترامب يد أردوغان في سوريا ذريعة محاربة تنظيم “داعش” في الوقت الذي أبقى فيه دعم السلاح لـ”قوات سوريا الديمقراطية”.
الهلع “الإسرائيلي” إثر قرار ترامب بالانسحاب من سوريا يترجم عدوانها المتكرر على الأراضي السورية بذريعة حماية أمنها على حد زعمها، غير أنه لا يمكن لخطة ترامب- بولتون الجديدة أن تُخرج “إسرائيل” من حساباتها، فالوعود الأمريكية لها ثابتة في العلن، فأيّ طريق يُرسم للمنطقة بعد فشل المخططات الأمريكية السابقة، ولا سيما فشل العقوبات على إيران بهدف الضغط عليها وإجبارها على التفاوض؟ وهل تتحمل أمريكا وحليفتها “إسرائيل” نتائج حرب من شأنها قلب توازنات العالم برمّتها رأساً على عقب؟ انتهى وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو جولته الشرق أوسطية بعد زيارة سبع دول عربية في مقدمتها السعودية لتشكيل تحالف يدعم مؤتمر وارسو المزمع عقده منتصف الشهر القادم في العاصمة البولندية.
بومبيو تنقل بين العواصم لجمع أكبر عدد من المشاركين في محفل هويته الكبرى تشكيل حلف دولي ضد إيران بعد فشل الأمريكيين بالضغط على الدول لمنعها من استيراد النفط الإيراني.
ثمّة متغيرات تدفع شبح الحرب إلى المنطقة بفعل السياسة الأمريكية، ولا يمكن تصوّر أية امتدادات ناتجة عن مواجهة حتمية مباشرة تجعل ما بعدها ليس كما قبلها أبداً.
علي أصفهاني