خاص|| أثر برس أعلن ما يسمى “المجلس المحلي” في مدينة الباب يوم الخميس 27 حزيران الجاري، فتح معبر أبو الزندين، الذي يربط مناطق سيطرة أنقرة بريف حلب الشمالي الشرقي، بالمناطق التي تسيطر عليها دمشق.
متى تأسس معبر “أبو الزندين”؟
على خلفية العمليات العسكرية ضد مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي في ريف حلب الشرقي خلال عام 2017، تمكن الجيش السوري من فرض سيطرته على مساحات واسعة من ريف المحافظة الشرقي وكان قسم كبير منها من ريف مدينة الباب الجنوبي وحتى أطراف بلد “تادف”.
وفي شباط من العام نفسه، سيطرت فصائل أنقرة في الشمال السوري، على مركز مدينة الباب وقسم من ريفها الجنوبي والغربي بعد أن كانت المنطقة تحت سيطرة مسلحي تنظيم “داعش” أيضاً.
وبذلك قُسمت مدينة الباب إلى قسمين، الأول الجنوبي يسيطر عليه الجيش السوري والثاني شمالي تسيطر عليه فصائل أنقرة التي وسعت عمليتها بشكل كبير بعد عملية “درع الفرات” عام 2016. وبعد تمركز قوات الجيش السوري في نقاط سيطرتها بالريف الجنوبي من المدينة، اتخذت الفصائل المسلحة نقاط تمركز لها في ريفها الشمالي.
وخلال النصف الثاني من عام 2017 بدأت ما تسمى “الحكومة المؤقتة” بالتحضير لافتتاح المعبر، إذ تم إعلان ذلك علنياً في 11/1/2018 ضمن بند (افتتاح نقطة عبور في “أبو الزندين” في منطقة الباب) الذي يقع مقابل قرية “الشماوية” الخاضعة لسيطرة الجيش السوري، وتم إتباعه حينها لـما تسمى “أمانة جمارك معبر الراعي” (الحدودي مع تركيا) شمالي مدينة الباب.
وبعد العمل بالمعبر لفترة محدودة، تم إغلاقه لأشهر عدة، ثم اُعيد افتتاحه في آذار 2019 على خلفية إعلان تركيا إعادة تفعيل العبور المباشر للشاحنات التركية مِن معبر “باب السلامة” الحدودي في مدينة أعزاز شمالي حلب، ثم أغلق المعبر حينها بعد فترة وجيزة.
وفي أيلول عام 2022، أعادت ما تسمى فرقة “السلطان مراد” المنضوية تحت لواء الجيش التركي ومقربه منه بشكل كبير، ثم تحوّلت لاحقاً لتكون العمود الفقري لهيئة “ثائرون للتحرير”، والفيلق الثاني في “الجيش الوطني”، فتح المعبر لمدة ساعات قليلة، قبل أن تُعيد إغلاقه من جديد، على خلفية المظاهرات التي حدثت آنذاك داخل المدينة.
وقد أعلن مؤخراً، ما يسمى “المجلس المحلي لمدينة الباب” في منشور على صفحته الرسمية في الفيس بوك، يوم الخميس 27 حزيران الجاري أنه “خلال 48 ساعة القادمة سيتم تنظيف وتجهيز معبر أبو الزندين التجاري من أجل فتحه تجريبياً، وذلك من أجل اعتماده معبراً تجارياً رسمياً لاحقاً وفق ضوابط وتعليمات ستنشر لاحقًا”.
ما المكاسب المتوقعة من افتتاح المعبر؟
ويشير إعادة افتتاح المعبر إلى وجود إرادة تركية واضحة وجدية لذلك، لكن يبقى الأمر مرهوناً بمدى أن يكون الافتتاح أمراً واقعاً على المدنيين والعسكريين، ونجاح ذلك يعني أنّ هناك مؤشرات إيجابية باتجاه التقارب السوري- التركي الذي تحكمه حالياً التفاهمات الروسية- التركية. خاصة وأنّه في اليوم الثاني من إعلان الافتتاح، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحدث عن استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد زاعماً أنه لا يوجد سبب لعدم إقامة علاقات بين البلدين.
وأظهرت إجراءات افتتاح المعبر للمرة الثالثة وجود اهتمام كبير من قبل “الحكومة المؤقتة”. وهنا يؤكّد الكاتب والصحافي المتخصص بالشأن التركي سركيس قصارجيان أنّ افتتاح المعبر يعني وجود موافقة تركية علنية لأنها هي من يملك القرار في هذه المنطقة وليس الفصائل المسلحة بعينها.
إنّ عودة تركيا بإعطاء الضوء الأخضر والسماح للفصائل المسلحة التي تعمل بأمرتها بإعادة افتتاح المعبر ولو تجريبياً، تقف وراءه مسببات ومكاسب سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة. إذ زعم ما يسمى “المجلس المحلي” في مدينة الباب، أنّ الهدف الأساسي من الافتتاح هو اقتصادي وتجاري.
وفي السياق نفسه، يرى قصارجيان، أنّ مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في الشمال السوري بحاجة إلى أموال، وغاية تركيا حالياً أن تكون قادرة هذه المناطق على إدارة نفسها بنفسها اقتصادياً وتسيّر شؤونها المحلية ما يخفف من خروج القطع الأجنبي من تركيا إليها.
وفي الوقت الذي كان فيه المعبر مغلقاً، كانت تشكل مناطق سيطرة القوات الكردية في مدينة منبج ممراً رئيساً للأشخاص والبضائع للعبور إلى مناطق سيطرة الدولة السورية عبر معبر “التايهة” في ريف مدينة منبج الجنوبي، والذي يعتبر من أهم المعابر الداخلية التي تجني منها قوات (PYD) مكاسب مالية كبيرة.
وبالتالي فإنّ افتتاح معبر “أبو الزندين”، بحسب الخبراء، سيؤدي إلى التخلص مِن إجبارية مرور الأشخاص والبضائع مِن وإلى مناطق سيطرة الدولة السورية عبر “التايهة” في مدينة منبج التي تخضع لسيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية. إضافة إلى ما سبق، يختصر المعبر المسافة الكبيرة والشاقّة التي كان يقطعها المدنيون للذهاب إلى مركز مدينة حلب.
عودة الربط البري مع الخليج مصلحة سورية- تركية
في سياق متصل، يرى قصارجيان أنه وعلى المدى البعيد في حال تمت المصالحة بين البلدين، فإنّ لتركيا بالتأكيد مصلحة كبيرة في الدفع باتجاه فتح الممرات البرية لربط دول الخليج بتركيا وإقامة تبادلات تجارية، خاصة وأن مشروع طريق التنمية (عبر العراق) الذي تعتبر تركيا جزءاً منه، يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه.
وبالوقت نفسه، إنّ إعادة افتتاح الممر البري بين تركيا والخليج عبر سوريا، ستكون له مكاسب إيجابية على الاقتصاد السوري، سواء من جهة تشغيل اليد العاملة، أم الحصول على رسوم العبور وغيرها، ولكن لابد من الإشارة هنا، وفق قصارجيان، إلى أن تركيا بلد اقتصادي كبير وبالوقت نفسه بحاجة إلى قطع أجنبي، وعودة التبادل التجاري، ربما إن لم يكن مضبوطاً بشكل دقيق وفق تشريعات مضبوطة، سيؤدي إلى استنزاف القطع الأجنبي المتبقي في الداخل السوري باتجاه تركيا وهذا بالتأكيد سيخلق موجة تراجع في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.
قصي المحمد