خاص|| أثر برس في ظل المشهدية السياسية للتقارب التركي مع دمشق، والحديث عن أدوار محورية أدتها دول إقليمية دفعت تجاه التقارب، تتوالى ضبابية حول الموقف الأمريكي من هذا المسار، خاصة في ظل ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من انتخابات حاسمة ستغير مسار العلاقات الدولية بحسب توجه الرئيس القادم جمهورياً كان أم ديمقراطياً، ولعل الشرق الأوسط أحد أبرز الملفات التي تحكمها تأثيرات السياسة الخارجية الأمريكية.
لا شك أن واشنطن أدت دوراً محورياً في لجم التحركات العسكرية التركية على مدار سنوات ضد الأكراد شمالي سوريا، وهو أحد أبرز النقاط الخلافية بين واشنطن وأنقرة، إذ ترى الأخيرة أن الدعم الأمريكي لـ”الإدارة الذاتية” يهدد أمنها القومي، بينما ترى الولايات المتحدة أن دفاعها وحمايتها لـ”قوات سوريا الديمقراطية- قسد” يأتي في إطار مكافحتها لـ”الإرهاب” عدا عن الفوائد المحققة بخلق كيانات مسلحة تابعة لها تحد من ازدياد النفوذ الروسي والإيراني بالمنطقة وسوريا خصوصاً، بحسب اعتقاد واشنطن.
تصريحات خجولة
تشير التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى الرفض الأمريكي تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وهو ما جاء في رده بالبريد الإلكتروني على مكتب وكالة “رووداو” الإعلامية حول جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع سوريا، والتي عبّر عنها بالقول صراحة إن واشنطن لا تدعم هذه الجهود واصفاً المحاولات في هذا الإطار أنها “بلا نتائج”، بحسب تعبيره.
لكن تصريحات الناطق الرسمي من حيث الشكل والأسلوب الذي تم الإدلاء به لا يعبّر صراحة عن الموقف السياسي المتشدد بهذا الخصوص إذ لا تزال الضبابية قائمة حول الموقف الأمريكي الموارب للتقارب التركي مع سوريا، وهو ما أشار إليه د. منذر سليمان مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية في واشنطن في تصريح خاص لـ”أثر برس”.
لفت د.سليمان وهو مختص في الشؤون الأمريكية، إلى أن واشنطن تساير تركيا، وفي الوقت نفسه تنتقدها بالتقارب مع دمشق، لكنها في الإطار العام لا تشجع أي خطوة من شأنها أن تخفف وطأة الحصار الاقتصادي والسياسي على دمشق، أو من شأن ذلك أيضاً أن يؤدي إلى تصعيد عسكري وأمني تجاه “قسد” لطالما تعتبر الذراع الأمريكية في منطقة شرق الفرات.
قلق من العصا الأمريكية
على الرغم من الاندفاعة التركية للتقارب مع دمشق، إنه لأنقرة مخاوف كبيرة من ردة فعل أمريكية تعرقل المسار، وهو ما أشار إليه الدكتور منذر سليمان، بأن تركيا لا تزال رهينة السياسة الاقتصادية الأمريكية سواء من حيث ملف الديون، أم العضوية في حلف الأطلسي وآخرها صفقة الطائرات F16 التي لا تزال معلقة، وجميعها ملفات تفرض على تركيا البقاء تحت العباءة الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك نوه الباحث في الشؤون الأمريكية بأن تركيا سارعت في خطواتها كون المؤشرات تسير تجاه فوز ترامب ممثلاً عن الجمهوريين، وهو الرئيس الأقرب لتبني سيناريو الانسحاب من سوريا، وبالتالي يكسب التركي نقاطاً كبيرة بإضعاف “قسد” واستهدافها بشكل أكبر.
من جانب آخر يؤكد الباحث ربيع غصن، والخبير في الشؤون الدولية من بيروت أن الاعتراض الأمريكي حتى اللحظة هو لفظي، ولم يكن اعتراضاً مترجماً على أرض الواقع سياسياً، إذ يمكن لواشنطن أن تستخدم عصا تفعيل الأزمة المالية التركية، والضغط الاقتصادي، وملفات حقوق الإنسان، والملفات الأمنية المتعلقة بدعم “الإرهاب” بوصفها جزءاً من الابتزاز السياسي لأنقرة، وعليه لا يمكن اللعب خارج الإرادة الأميركية بمسيرة التقارب.
ولفت الخبير في الشؤون الدولية من بيروت في تصريح لـ”أثر برس” إلى أنه يمكن أن تلجأ واشنطن مع أنقرة إلى سياسة المقايضة وتقديم التعهدات، خصوصاً بما يتعلق بملف الأكراد شمالي سوريا، إذ تخشى أمريكا أن تؤمن سوريا حدودها شمالاً وعليه تتجه أنظارها لتأمين حدودها جنوباً، وعليه يزداد الضغط على الكيان الصهيوني.
ويشير الباحث من بيروت إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية يمكنها أن تبلور السياسة الأمريكية تجاه التقارب بشكل أكبر وأوضح، إذ أن المؤشرات الانتخابية تتجه لصالح دونالد ترامب، وهو عراب قانون الحصار الاقتصادي “قيصر” إلا أنه بالمقابل سيكون هنالك فرصة كبيرة للانسحاب الأمريكي من سوريا.
تشير التقديرات السياسية إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية سترسم طريقاً واضحاً في حسم التقارب التركي مع سوريا، إذ لا يمكن لأنقرة المضي قدماً في سياستها الخارجية بما يتعارض مع الإرادة الأمريكية، حتى ولو أظهرت تودداً مع روسيا، وعليه فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد تحسم مسار التقارب التركي مع سوريا أو تغير مساره وفق رؤية رئيسها الجديد ديمقراطياً كان أم جمهورياً.
د. أحمد الكناني