خاص || أثر برس تعتمد السياسة التركية منذ بداية الحرب السورية على موازنة الدفة بين القطبين الروسي والأمريكي لتحقيق مصالحها في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية لتحقيق الأهداف البعيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إحياء الإمبراطورية العثمانية.
فبعد الخلاف الاستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة حول دعم الأخيرة للأكراد بدأت الكفة التركية تميل بشكل واضح إلى الجانب الروسي كون تركيا هي أحد الأطراف الضامنة في محادثات “استانة”، وخصوصاً بعد تنامي الخلاف السعودي-التركي والذي كان له اثراً واضحاً على دعم الفصائل المسلحة، إلّا أنه ومع انحسار المشهد الميداني السوري واقتصاره على محافظة إدلب عادت المصالح الروسية – التركية لتتضارب من جديد، ما دفع الأتراك لإعادة موازنة الدفة والدخول بمفاوضات مع الأمريكيين تحت عنوان ما يسمى بـ “المنطقة الآمنة” في شمالي سورية.
وبعد أشهر من التهديدات التركية بالبدء بعملية عسكرية في شرق الفرات السوري، كشفت تقارير إعلامية عن التوصل إلى اتفاق بعد مفاوضات تركية – أمريكية على إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 20كلم داخل الأراضي السوري وستكون هذه المنطقة خالية من أي تواجد للوحدات الكردية، إلّا أن تلك التقارير لم تتحدث عما دار في أروقة تلك المفاوضات وما هي المطالب الأمريكية التي وافقت تركيا على تنفيذها حتى وافقت على إنشاء “المنطقة الآمنة”.
قد يكون ما تحدث عنه موقع “عربي 21” المعارض، بأن كل من تركيا وأمريكا اتفقتا على الحفاظ على وجود “جبهة النصرة” هو ما يفسر القبول الأمريكي باتفاق ما يسمى بـ”المنطقة الآمنة”، ففي ظل الوضع السوري الحالي وعدم تمكن الولايات المتحدة من التأثير على الوجود الإيراني أو التفوق الروسي الحالي لم يبق أمام الأمريكيين سوى ورقة إدلب لمنع استقرار البلاد وتثبيت انتصار الحلف السوري-الروسي-الإيراني، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن استعادة القوات السورية سيطرتها على المحافظة سيحول إلى توجه القوات السورية إلى مناطق شرق الفرات السوري الخاضعة حالياً لسيطرة الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة لا تستطيع أن تقدم دعم مباشر لـ”النصرة” كي لا تدخل بمواجه مباشرة مع الروس الذين يؤمنون غطاء جوي للقوات السورية في العمليات العسكرية الحالية في إدلب التي يتواجد فيها الأتراك باتفاق مع روسيا.
الخطة الأمريكية – التركية بدأت الأخيرة بتنفيذها بشكل عملي وواضح فبالانتقال إلى المشهد الميداني ظهر خلال الأيام القليلة الماضية الدعم الجدي والعلني من الجانب التركي لـ”جبهة النصرة” والذي ترجم بالرتل العسكري الذي أرسله الأتراك إلى مدينة “خان شيخون” الاستراتيجية بحسب ما نقلته وكالة “سانا” عن مصدر في الخارجية السورية، وعلى الرغم من سيطرة القوات السورية نارياً على خان شيخون رفضت تركيا الانسحاب من نقطة المراقبة التي تتواجد فيها في منطقة مورك في ريف حماة الشمالي، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، اليوم الخميس بأن تركيا ستحافظ على وجودها في نقطة المراقبة التاسعة في منطقة مورك، رافضاً التعليق على سؤال يتعلق بكيفية استمرار وجود النقطة بعد سقوط المدينة التي تقع جنوب خان شيخون.
بالمقابل يبدو من الواضح بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك تماماً ما يجري حيث قال خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي قبل أيام بأن “روسيا تدعم جُهود الجيش العربي السوري للقضاء على الإرهابيين في إدلب”، وقال “كانت هناك أيضا محاولات لاستهداف قاعدتنا في حميميم أكثر من مرة، ومن منطقة إدلب بالذات، ولذلك ندعم جهود الجيش السوري في ما يخص العمليات على النطاق المحلي لاحتواء تلك المخاطر الإرهابية”، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، في نقدٍ غير مُباشرٍ للرئيس رجب طيّب أردوغان بقوله “قبل التّوقيع على اتفاقيّات سوتشي في أيلول الماضي، التي أُقِرّت نزع السلاح عن جزء من منطقة إدلب كان 50 بالمئة من أراضي المِنطقة تحت سيطرة الإرهابيين (في إشارة إلى النصرة) الآن زادت المساحة بنسبة 90 بالمئة”.
حديث الرئيس الروسي قد يدل بشكل أو بآخر على انتهاء اتفاق سوتشي بعد دخول الأتراك في اتفاقات جديدة مع الأمريكيين لا تصب بالمصلحة الروسية، في حين يشير المشهد الميداني إلى أن العمليات العسكرية تسير بشكل جدي لإنهاء وجود “النصرة” في المحافظة، ففي حال استمرار العمليات العسكرية في المنطقة، هل ستبقي الولايات المتحدة على موقفها بشأن الهبة التي أعطتها لتركيا تحت مسمى “المنطقة الآمنة” وما هو موقف أردوغان الذي لم يعد يستطيع أن يوازن بين الدفتين الروسية والأمريكية؟
قد نرى في الأيام القليلة المقبلة زيارة جديدة من أردوغان إلى موسكو لوضع خيارات وأطر جديدة قد تكون على رأسها تأجيل العملية قليلاً إلى حين إقناع الأمريكيين بإنشاء “المنطقة الآمنة” إلّا أن كافة التطورات تشير إلى أن الدولةالسورية والروس ماضون بالمعركة بشكل جدي وحازم لأن إنهاء وجود “النصرة” في إدلب قد ينهي بدوره الحلم التركي باقتطاع أراضي من شمال شرق الفرات السوري، فالأمريكيين لن يعطوا الأتراك أي شيء دون مقابل.
رضا توتنجي