خاص|| أثر برس منذ اللحظات الأولى لاحتدام شدة المعارك والهجمات التي شنتها التنظيمات المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)” الإرهابي على محاور واسعة من حلب وريفها وإدلب وريف حماة، والتساؤلات مطروحة حول الأسباب التي دفعت بشكل حقيقي لتمدد هذه التنظيمات في عملياتها العسكرية، سيّما وأن دعمها التقني والعسكري أصبح مباشراً وواضحاً من أنقرة والتي تدير مجرى سير المعارك عن بعد.
إذ تشير التقديرات السياسية إلى أن ما جرى من أحداث يؤدي رسالة مفادها عدم الضمانة التركية، للمجموعات المسلحة شمالاً وعليه تنهي أنقرة دورها كضامن لهم بمسار أستانا، فيما تتوجه الأنظار إلى موسكو وطهران كأعضاء ضامنين إلى جانب الحكومة السورية.
خلط الأوراق الدولية
يعتقد رئيس وفد “معارضة الداخل” في سوريا د. إليان مسعد أن ما جرى بالنسبة للأحداث واحتلال حلب، يُصنّف أنه انقلاب حقيقي على مسار أستانا، خاصة من جهة الدول الضامنة للتنظيمات المسلحة ومن بينها “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)” الإرهابي، إذ يمكن أن تعتبر الضربة موجهة بشكل أساسي إلى روسيا وإيران من قبل تركيا الضامن الرئيسي في مسار أستانا.
مسعد في حديث خاص مع “أثر برس” لفت إلى أن المناخ الدولي الخاص بانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وإيران بالأحداث في غزة ولبنان، ساعد أنقرة على استغلال “حالة الفراغ” بحسب د. مسعد، وعليه ما جرى ليس فقط انتهاك مسار أستانا، بل لقرار مجلس الأمن رقم 2170 عام 2014، وقرار مجلس الأمن رقم 2178 في العام نفسه، وقد صدر القراران ضمن الفصل السابق من ميثاق الأمم المتحدة والذي يتضمن جواز استخدام القوّة ضد الأطراف الإرهابية، وعلى الرغم من ذلك لم تشهد سوريا أي تدخل أممي بحق التنظيمات الإرهابية المهاجمة.
وبالعودة إلى النص الذي جاء وفقاً للقرار 2170 خصص صفة “المقاتل الأجنبي”، لأولئك الذين انضموا من الخارج إلى ثلاثة تنظيمات إرهابية وهي تنظيمات “داعش” و “القاعدة” و”النصرة” الإرهابية والتي باشرت بالهجوم شمالاً، وعليه لم تشهد سوريا أي مؤازرة ميدانية ودولية لضرب التنظيمات الإرهابية، أو تقديم المساعدة بشكل مباشر لسوريا.
قطر تدخل الخريطة السياسية
من جانب آخر، لا يعتقد رئيس حركة “البناء الوطني” أنس جودة، أن مجرى الأحداث والتطورات الميدانية بهجوم جبهة “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)” الإرهابية انقلاباً على مسار أستانا، إذ تشير التطورات السياسية إلى إجراء تحركات واضحة في مسار أستانا، يؤكده الاجتماع الذي عقد بين وزيري الخارجية الإيراني ونظيره القطري بالعاصمة الدوحة، استعداداً لاستقبال أستانا بسبب حضور وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا في منتدى الدوحة، إذ أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتجي، أن “اجتماع وزراء خارجية مسار أستانا سيعقد في قطر نظراً لوجود وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا في اجتماع الدوحة”.
وأشار جودة إلى أنه لا بديل من مسار أستانا في الحل السياسي خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تدعمه من جهة، ودخول قطر إلى الخريطة السياسية يضفي بعداً عربياً للمسار من جهة أخرى، ويوسع من فاعلية التقارب العربي مع سوريا، لافتاً إلى أنه من المحتمل أن يكون للدوحة دور خاص بهجمات الإرهابيين شمالاً على مدينة حلب وإدلب وريف حماة، وبالتالي لها دور في ضبطها.
ولفت الكاتب والباحث السياسي أنس جودة في حديث خاص لـ”أثر برس” إلى أنه من الصعب الحديث عن مسارات بديلة لأستانا، ومن الممكن أن يتم تدعيمها بلجان عربية ممثلة بدولة قطر، أو السعودية، أو الأردن، أو مصر، موضحاً أن مسار جنيف نظري وليس عملياً لتخريج الاتفاقيات الكبرى، لذلك يعد خيار أستانا الأقرب والأكثر ترسيخاً لوجوده، منوهاً بأهمية الدور السعودي والإماراتي والجزائر ومصر كلاعبين أساسيين أو وسطاء، ودونهم لن تنجح أي تهدئة.
مسار بديل!
وحول المسارات البديلة لأستانا يعتقد رئيس وفد ما يسمى “معارضة الداخل” د. إليان مسعد إلى عدم فعالية أستانا ومن المفترض إيجاد مسارات أخرى مبنية على الوحدة الوطنية وحوار سوري-سوري، كون المعارضة الخارجية تعمل بإمرة المحتل التركي، وهناك تفويضات خطية قدمها رئيس وفد “المعارضة الخارجية” أحمد طعمة لمعاون وزير الخارجية التركي بالتوقيع عنه في المفوضات بحسب د. اليان مسعد.
كما لفت د. إليان إلى أنه ثمة وساطات قائمة لم تتوقف من الجانبين الإيراني والروسي وهم ضمن الفن الممكن الأقرب لدعم الموقف السوري، يعكر ذلك وجود بعض الخلافات في وجهة النظر التركية والإيرانية على الرغم من البيانات المشتركة.
تبقى المخرجات السياسية لـ “أستانا الدوحة” مؤشر حقيقي لسير الأوضاع الميدانية غلى الجبهات شمالاً، فيما تشعر دمشق ببعض الطمأنة من الإجماع الدولي في مجلس الأمن حول هوية التنظيمات المهاجمة على أنها إرهابية، وعليه تحسم الجولات السياسية مسار العمل العسكري.
د. أحمد الكناني