خاص || أثر برس تشهد الساحة السورية بُعيد كل جولة سياسية، اتفاقات أو تحركات عسكرية وأخرى دبلوماسية، لا تكون بنداً معلناً في أي بيان ختامي للمحادثات، لكنها سرعان ما تظهر على شكل تحولات أو انزياحات على الأرض، فمع انتهاء جولة “أستانا” في دورتها الـ15، بدا أن الشمال السوري لم يكن حاضراً في البنود المعلنة للبيان الختامي وحسب، وأن تثبيت وقف إطلاق النار لم يكن العنوان الأساسي فيما يخص ملف إدلب خلال مشاورات الضامنين في الغرف المغلقة.
فبصورة مفاجئة ودون مقدمات، دفع الجيش السوري بأرتال عسكرية خاصة من تل الجراد بالقرب من مصياف غرب حماة إلى ريف حلب الشمالي على محاور الباب ومنبج، ومن معر شورين شرق معرة النعمان جنوب إدلب إلى المحاور ذاتها، كما دفع بمجموعات صغيرة من الفيلق الخامس من خان السبل جنوب شرق إدلب إلى المناطق المذكورة.
تلك التحركات العسكرية توازت مع تطورات غير مسبوقة على المشهد الدبلوماسي “غير الرسمي”، تجلت بتوصل تركيا وسوريا، برعاية روسية، إلى اتفاق لنقل القمح من مناطق سيطرة الجيش التركي والفصائل المرتبطة به في ريف الحسكة الشمالي إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، ونشرت وزارة الدفاع التركية تسجيلاً مصوراً لشاحنات نقل القمح، قائلةً إنه جاء بعد اتفاق تم التوصل إليه مع روسيا، قاطعة الشك باليقين.
ملفا التحشيد العسكري وصفقة القمح، أنتجا العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع تركيا التي تحتل أجزاء من سوريا وتتخذ موقفاً معادياً لـ “النظام” في سوريا، لإتمام اتفاقية القمح مع دمشق، ومدى ارتباط التحركات العسكرية في ريف حلب الشمالي بها.
يرى الخبير الاستراتيجي د. كمال جفا بأن عملية نقل القمح تمت مقابل “منافع معينة” للجانب التركي “لم يعلن عنها”، وأضاف “جفا” في اتصال مع “أثر” بأنه من الممكن أن يكون هناك تبادل لمناطق في الباب ومحيط منبج مشيراً إلى وجود “اتفاق” لم يعلن عنه بين خبراء عسكريين.
وأعتقد “جفا” أنه في ظل غموض الموقف الأمريكي تجاه ملف “قسد”، فمن الممكن أن تكون التحركات العسكرية بمثابة “جس نبض” للجانب الأمريكي، للإفصاح عن حجم ومدى اهتمام واشنطن بملفات تفصيلية في سوريا.
في المقابل استبعد الصحفي رضا الباشا شن عملية عسكرية باتجاه منبج مستنداً بذلك إلى عدة مؤشرات، أبرزها، أن استعادة الجيش السوري لمدينة منبج تعني استعادة السيطرة على سد 16 تشرين، وبالتالي عودة ما يقارب 680 ميغا واط كهربائي إلى الدولة السورية، الأمر الذي لن تقبل به الولايات المتحدة في ظل حصارها الخانق للدولة السورية، ومن جهة أخرى يرى “الباشا” بأن سوريا وحلفاءها لن يقدموا على تصعيد من هذا النوع في ظل وجود قاعدة أمريكية في منبج لا مؤشرات لإخلائها.
ورجح “الباشا” في حال حدوث عملية عسكرية في شمال حلب، أن تكون مقتصرة على مدينة الباب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة التابعة لأنقرة، والتي تفشل أجهزة الاستخبارات التركية حتى الآن في ضبط فلتانها الأمني، وهو ما قد يدفع الجانب التركي لعدم الانخراط في مواجهة عسكرية ضد أي تصعيد سوري روسي فيها، مضيفاً أن التحشيدات العسكرية الأخيرة للجيش السوري تركزت على جبهة الباب وليس جبهات منبج.
وفيما يتعلق بصفقة نقل القمح من مناطق سيطرة الاحتلال التركي في شمال الحسكة إلى مدينة حلب، رأى “الباشا” أن التقارب الأخير الذي حصل الأسبوع المنصرم بين “قسد” ودمشق، وكان ضمن أهم بنوده توريد القمح والشعير إلى مناطق الحكومة السورية مقابل تنازلات تقدمها دمشق لـ “قسد”، كان مقلقاً بالنسبة للجانب التركي، متوقعاً أن تكون الغاية التركية من توريد شحنة القمح الأخيرة هي قطع الطريق على “قسد” في مسعاها للتقرب من دمشق، عبر توريد القمح أو النفط، مقابل نيل مكاسب سياسية أو ميدانية.
وتأتي التحشيدات العسكرية وإتمام صفقة القمح، بعد أيام من اجتماعات بين الحكومة السورية ووفد من “الإدارة الذاتية” زار دمشق مؤخراً، حيث أشارت صحف إلى أن “الإدارة الذاتية” أبدت موافقة مبدئية على رفع العلم السوري فوق مقراتها، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية، مقابل إيجاد خصوصية لقوات “قسد” ضمن جسم الجيش السوري، وتقديم تسهيلات من دمشق لتنقل مقاتلي الأخيرة وإطلاق سراح بعض المعتقلين.
ونصت التفاهمات الأخيرة على أن تبحث الجولة المقبلة ملف توريدات النفط والقمح من مناطق “الإدارة الذاتية” نحو مناطق الدولة السورية، واعتبرت الأوساط الكردية الجولة الأخيرة بأنها الأنجح بين جولات الحوار السابقة، وكشفت أنه في حال التفاهم، ستكون منعطفاً مهمّاً نحو إنهاء الحرب في جزء مهمّ من البلاد، الأمر الذي يقلق أنقرة ويسحب منها ذرائع أساسية في العمليات العسكرية والتوسع داخل الأراضي السورية.
رضا توتنجي