خاص || أثر برس “ما عادت تلك الرائحة الزكية لأقراص العيد المحفورة في ذاكراتنا تنتشر في شوارع الحي”، فالحال تغير بحسب ما تقول أم ليلى في حديثها لـ “أثر برس”، مضيفة أنه حتى تلك الجمعات العائلية في الأسبوع الأخير من رمضان، لصناعة الحلويات، غابت عن منزلها كغيره من المنازل الحمصية، بسبب الظروف التي مرت بها المدينة والحالة المعيشية الصعبة.
تقوم أم ليلى المرأة الستينية بتجهيز المواد اللازمة لصناعة أقراص العيد، وتتابع حديثها: “أيام زمان، كنا نتباهى من صنع أقراص أطيب، ونتبادل الصحون مع الجيران، وأذكر جيداً، أمي كيف كانت تصنعها، ومنها تعلمت أن تكون طيبة المذاق وبرائحة لا تنسى، فهي تحتاج إلى الطحين والمنة، والخميرة، والمحلب، والشمرة، لإعطاء النكهة والرائحة الفواحة”.
تصف أم ليلى طريقة تحضير الأقراص، وهي تهم بخلط المكونات بالقول: الطريقة تحتاج إلى “النفس” وهو ما يميز الأقراص، فالمنافسة في طيبتها، هي السمة بين نساء الحي، إضافة إلى الكمية التي تم إعدادها، التي تصل إلى أكثر من 50 كيلو في بعض المنازل.
تبدأ أم ليلى بعجن المكونات التي وضعتها بطريقتها كما يقول المثل “ضربة المعلم بألف حتى لو شلفها شلف” وتبتسم مكملة القول: “أيام زمان أيام خير، واليوم الظروف تغيرت، فصنع الأقراص في المنزل باتت مكلفة وصعبة، لعدم توافر الكهرباء أو الغاز اللازم لتشغيل الفرن، يعني جرة الغاز بتخلص وكيف بدك تكمل حتى تستلم غيرها وسعرها بالسوق السوداء غالي، إضافة إلى سعر الطحين حوالي 7 آلاف، وكيلو المحلب بأكثر من 100 ألف وكل المواد اللازمة سعرها مرتفع” مشيرة إلى أنها اكتفت لهذا العيد بتحضير 15 كغ ستوزعها على أولادها الخمسة.
عمر أم ليلى وحالتها الصحية لم يمنعاها من صناعة الأقراص المتعبة والتي تحتاج إلى جهد ووقت، من عجن ودعك “بالشوبك” وتقطيعها إلى دوائر والنقش عليها ومتابعة استوائها بالفرن، وكل ذلك يهون كرمى أن تفرح أحفادها وأولادها، لتختم حديثها وهي تخرج الصينية من الفرن بالإشارة إلى لونها الأشقر الذي وصفته بلون “جناح الدبور”.
نتيجة الوضع الاقتصادي، وعدم توافر حوامل الطاقة عزف الكثير من الناس عن صناعة البتيفور والأقراص وحلويات العيد في منازلهم، واكتفوا بشرائها من المحال أو صنع كمية من العجين وأخذها لأحد الأفران، مقابل أجر يختلف من فرن إلى آخر.
يقول أبوحمزة صاحب فرن معجنات في حي باب السباع لـ”أثر برس”: “خلال السنوات الماضية، درجت العادة أن يأتي الزبائن ومعهم عجينة الأقراص الخاصة بهم، لعدم توافر الكهرباء أو الغاز، والبعض يأتي بالمكونات، وبدوري أقوم بتشكيلها وتجهيزها لهم بحسب طلبهم”.
يبين أبو حمزة أن أقراص العيد تشكل حالة خاصة للعائلات في حمص فهي من العادات والتقاليد، مشيراً إلى أن “العيد بلا أقراص ليس عيد” لافتاً إلى أن الجيل الحالي ابتعد عنها قليلاُ ويفضل البيتيفورات لكونه لم يشهد طقوس صناعتها في المنازل ولم يشتم رائحتها المرتبطة بالذاكرة، مضيفاً: مع أني صاحب فرن لكن تبقى صناعة أقراص العيد في المنزل، لها طابعها الخاص المتميز بجمعة العائلة، والسهرات حتى الصباح.
يوضح أبو حمزة أن الإقبال على شراء المعجنات انخفض خلال العامين الأخيرين نتيجة ارتفاع الأسعار، كما أن كميات التواصي تغيرت، من حيث الحجم والحشوة وخاصة المعمول، مشيراً إلى أن من كان يوصي على 10 كغ اكتفى بخمسة أو أقل وفضل العجوة بدلاً من الجوز أو الفستق الحلبي.
أسامة ديوب – حمص