خاص || أثر رس ما تزال ظاهرة “الأمبيرات” مستمرة في استنزاف جيوب الحلبيين، وزيادة الأعباء المعيشية الملقاة على كاهلهم، في ظل الارتفاعات المتتالية التي تطرأ على أسعارها بين كل أسبوع وآخر، وفي غياب شبه تام للرقابة على آلية عمل المولدات، ولضبط الأسعار التي يحددها صاحب المولدة تحديداً كيفياً.
ارتفاع جديد بنسب مختلفة في عموم مناطق المدينة
سجلت أسعار “الأمبيرات” في حلب الأسبوع الحالي، ارتفاعاً جديداً على صعيد سعر “الأمبير” الساعي، لتصل إلى أرقام غير مسبوقة منذ بدء عمل المولدات في المدينة قبل نحو 8 سنوات، على حين كان من اللافت تفاوت نسب الارتفاع بين منطقة وأخرى، بالتزامن مع اختلافات كبيرة بعدد ساعات التشغيل في كل منطقة.
وبحسب ما رصده مراسل “أثر” في حلب، وصل سعر “الأمبير” في أحياء شرق المدينة ووسطها إلى ما بين 25000 و30000 ليرة سورية أسبوعياً، بمعدل ساعات تشغيل يومية تبلغ نحو 10 ساعات أو أقل في بعض الأحيان بحسب “مزاجية” صاحب المولدة، أي بما يتجاوز عتبة 3000 ليرة للساعة الأسبوعية الواحدة.
أما في أحياء غرب المدينة فسجلت بورصة “الأمبيرات” في ارتفاعها الجديد، أرقاماً أقل نسبياً مما هي عليه في الأحياء الوسطى والشرقية، إذ تراوحت نسب الارتفاع في الأسعار بين 20% و25%، فوصل سعر “الأمبير” في حي “شارع النيل” على سبيل المثال إلى 15000 ليرة بعد أن كان 12000 ليرة في الأسبوع الماضي، على حين ارتفع من 13000 ليرة إلى 17000 ليرة في حي “السبيل”، بمواعيد تشغيل يومية موحّدة من الساعة الرابعة عصراً إلى الثانية عشرة ليلاً.
غياب تام لتعويض ساعات وصول الكهرباء
على الرغم من تحسن الواقع الكهربائي عموماً في مدينة حلب أخيراً، مقارنة بما كان عليه في السنوات الماضية، فإن ذلك التحسن لم يشفع للحلبيين دفع مبالغ مخفضة لقاء اشتراك “الأمبير” بل على العكس، فوصول الكهرباء في مدة تشغيل المولدات، ما كان ليجعل أصحاب “الأمبيرات” يخفضون من تسعيرتهم، وبالتالي فسعر ساعة التشغيل ازداد مقارنة بما كان عليه.
وأوضح “أبو أحمد” من سكان حي “السبيل” لـ “أثر” بالقول: “صاحب المولدة في منطقتنا يتقاضى 17000 ليرة مقابل التشغيل لـ 8 ساعات يومياً، من الرابعة عصراً وحتى منتصف الليل، أي أن كلفة ساعة التشغيل الأسبوعية تبلغ نحو 2100 ليرة، لكن الكهرباء بعد تحسنها الأخير أصبحت تأتينا لمدة أقلها ساعتين في مدة تشغيل المولدة، ما يعني أننا نستفيد من الأمبير لـ 6 ساعات على الأكثر يومياً، وبالتالي في ظل عدم تعويض ساعات توقف التشغيل والإصرار على التسعيرة المحددة أسبوعياً من قبل صاحب المولدة، فإن سعر ساعة التشغيل فعلياً ارتفع ليصل عتبة الـ 3000 ليرة”.
أصحاب المولدات يبررون ارتفاع أسعار “الأمبيرات“
ربط عدد من أصحاب المولدات في أحياء مختلفة من المدينة في حديثهم لـ “أثر”، مسألة الارتفاعات المتتالية على أسعار “الأمبيرات”، بظروف ومعطيات عدة تجبرهم، بحسب قولهم، على رفع أسعار الاشتراك في مولداتهم بين أسبوع وآخر.
وأكد أصحاب المولدات أن الارتفاعات المتتالية على أسعار “الأمبيرات” لم تأتِ من فراغ، وإنما ترتبط دائماً ببورصة أسعار المازوت اللازم للتشغيل في السوق السوداء، التي ما تزال تعد المتحكم الفعلي والرئيسي بالأسعار، في ظل استمرار الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بإخلاف وعودها المتعلقة بتأمين مخصصات المازوت اللازمة لتشغيل المولدات منذ أشهر طويلة.
ودافع أصحاب المولدات عن أنفسهم بالقول: “عندما حدد المكتب التنفيذي في المحافظة قبل عام من الآن، سعر ساعة الأمبير بـ 125 ليرة، كان الأمر مرتبطاً بتأمين مخصصاتنا من المازوت بسعر 1700 ليرة لليتر الواحد، لكن هذا الأمر لم يحدث، ولم نُزوّد بالمادة سوى لأشهر قليلة وبكميات ضئيلة، ما اضطرنا للجوء إلى السوق السوداء لشراء المازوت”.
وأضاف “ع. ب” صاحب مولدة “أمبيرات” بالقول: “أصبحنا حالياً نشتري المازوت من السوق السوداء بـ 7500 ليرة، عدا عن أسعار الزيوت الضرورية لعمل المولدات والتي تضاعفت مرات عدة، يضاف إليها الكلف المرتفعة لأجور تصليح وصيانة أعطال المولدات بما فيها قطع الغيار التي وصلت أسعارها إلى أرقام قياسية، وبالتالي فارتفاع الأسعار أمرٌ طبيعي في ظل الظروف التي نعمل بها، علماً أنه وعلى الرغم من الرفع المتتالي للأسعار فإن أرباح عمل مولداتنا أصبحت منخفضة بشكل كبير لأن نسب الارتفاع غير متوازية أبداً مع ارتفاع كلف التشغيل التي ذكرتها”.
حلبيون يلغون “أمبيراتهم”.. وأزمة الثقة مع الكهرباء الحكومية تمنع الباقين
شهدت الآونة الأخيرة تزامناً مع تحسن واقع التغذية الكهربائية في مدينة حلب، تحركاً يمكن وصفه بالمحدود، من مواطنين شجعهم التحسن الكهربائي على إلغاء اشتراكاتهم بمولدات “الأمبير”، واعتماد تغذية الكهرباء الحكومية، مع مساندة من البطاريات الصغيرة الكافية لتشغيل أشرطة الإنارة “الليدات” و”راوتر” الإنترنت الأرضي.
وأشار أهالٍ ألغوا “أمبيراتهم” في حديثهم لـ “أثر”، إلى أنهم حسموا أمرهم فيما يتعلق بإلغاء اشتراكهم لأسباب عدة، تتقدمها الكلف والأعباء الضخمة المترتبة، يقول “أبو أحمد” من أهالي حي السريان: “كنت أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن أنقص من احتياجات منزلي الرئيسية بما فيها الغذاء، أو أن ألغي اشتراك الأمبير الذي بات يكلفني ما يزيد على نصف راتبي الشهري، فصاحب المولدة يتقاضى أسبوعياً 15 ألف ليرة أي بمعدل 75 ألف ليرة شهرياً، وهو رقم يتجاوز 60% من قيمة راتبي”.
وأردف “أبو أحمد”: بالأصل كنت مشتركاً بأمبير واحد يكفي لتشغيل الإنارة والراوتر، وشاشة التلفاز في بعض الأحيان، وهي أمور يمكن تشغيلها، باستثناء الشاشة، بوساطة بطارية صغيرة لا يتعدى سعرها مع تحويلاتها عتبة 75 ألف ليرة، وتخدمني ما لا يقل عن 6 أشهر متتالية، مع اعتماد ساعات وصول الكهرباء النظامية لشحنها بالشكل المطلوب”.
حديث “أبو أحمد” تطابق مع أحاديث عدد من الأهالي الذين اتخذوا خطوته ذاتها، على حين في المقابل، كانت حالة الحفاظ على اشتراك “الأمبير” الأكثر عموماً في مدينة حلب، بحسب ما رصده مراسل “أثر”، لسبب رئيسي وحيد يتمثل في استمرار غياب الثقة تجاه انتظام الكهرباء الحكومية، وفق ما أكده “خالد” من أهالي حي الأعظمية: “إذ تعودنا أن تكون الكهرباء في أوج عطائها في فصلي الربيع والخريف من كل عام، نتيجة انخفاض الاستهلاك إلى أدنى مستوياته، ولكن هل هناك من يضمن لنا أن التحسن سيستمر في الشتاء القادم الذي يزداد فيه الاستهلاك أضعافاً مضاعفة؟، وهل سنجد من الكهرباء حينها ما يكفينا حتى لشحن بطارياتنا الصغيرة، بالتالي الأمبيرات ستبقى على ارتفاع أسعارها الأكثر ضماناً لنا”.
هل سيلبي المكتب التنفيذي الجديد للمحافظة تطلعات الحلبيين لضبط واقع “الأمبيرات”؟
لعل أهم ما ينتظره الحلبيون من المكتب التنفيذي المشكل حديثاً لمجلس المحافظة، أن يتدخل تدخلاً فعلياً وحقيقياً لضبط واقع عمل “الأمبيرات”، بوضع التسعيرة المناسبة لـ “الأمبير” بالتوازي مع الإيفاء في الالتزامات المتعلقة بتأمين المازوت اللازم للتشغيل، وتفعيل دور الرقابة الصارمة على أصحاب المولدات.
وأعرب عدد من أبناء المدينة في حديثهم لـ “أثر”، عن أملهم في أن يفلح المكتب التنفيذي الجديد بالوصول إلى الحل لملف “الأمبيرات”، الذي بات من أكثر القضايا المؤرقة والمثيرة للجدل في حلب، مطالبين بأن يكون الملف ضمن أولويات عمل المكتب الجديد، الذي يضم وجوهاً جديدة يُفترض أنها على دراية تامة بمعاناة وشجون أبناء محافظتهم.
وبدأ عمل مولدات “الأمبير” في حلب عام 2014، إبان ارتفاع وتيرة الحرب التي عاشتها المدينة وريفها، وما تخللها من أضرار كبيرة لحقت بالقطاعات الخدمي، وخاصة الكهرباء التي وصلت إلى مرحلة من الانعدام لسنوات طويلة، مع بعض الاستثناءات، قبل أن تبدأ الأوضاع بالتحسن تدريجياً مع إعادة تأهيل العنفة الخامسة من محطة حلب الحرارية منتصف العام الجاري.
يذكر أن عمليات تأهيل العنفة الأولى من “حرارية حلب”، ما تزال مستمرة على قدم وساق في الوقت الراهن، إذ تجاوزت نسبة الإنجاز عتبة 55%، وسط توقعات بأن تدخل العنفة الجديدة في الخدمة قبل نهاية العام الحالي، لتغذية المدينة وريفها بكميات إضافية من الكهرباء بالإضافة إلى ما تنتجه العنفة الخامسة، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسن الواقع الكهربائي في المحافظة، بما يُسهم إلى حد كبير في تخليص الحلبيين من شبح “الأمبيرات”.
زاهر طحان – حلب