خاص || أثر برس
منذُ انتهاء المهلة المحددة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية لإعفاءات السماح باستيراد النفط الإيراني في 2 أيار الجاري لثماني دول، والتي شملت تركيا والصّين والهند وتايوان واليونان وإيطاليا، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، في خطوة من الجانب الأمريكي لتصفير صادرات النفط الإيرانية والضغط على القيادة الإيرانية للقبول بشروط التفاوض الجديدة حول الأنشطة النووية بعد خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتّفاقية في العام الماضي.
كان من الواضح بعد تعيين اللواء حسن سلامي ذو الشخصيّة العسكرية القوية، والمعروف بعداوته لنهج الإدارة الأمريكية قائداً للحرس الثوري الإيراني، ورد وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف من نيويورك على العقوبات الأمريكية أنّ سياسة إيران لا تختلف عن تصريحات جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، ومايك بومبيو وزير الخارجية، فهي مستعدة لجميع الخيارات أيضاً، أي أنها ماضية بتعهداتها حول الاتّفاق النووي وملتزمة في ذلك مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، كما أن الحرس الثوري الإيراني في أعلى جاهزيته للدفاع عن مصالح إيران وحماية أمنها مهما كان الثمن غالياً، ولا تراجع عن ذلك.
فشلت الدول الأوروبية في تطويع إيران ضمن تفاهمات جديدة تمرر الشروط الأمريكية الاثني عشر طوال العام الماضي، والتي ينبغي على القيادة الإيرانية وفقاً لذلك تنفيذها مقابل رفع كامل العقوبات عن الأنشطة الاقتصادية، والسماح لها بالاستمرار بأنشطتها النووية ضمن اتّفاق نووي جديد، وأبرز ما تضمنته الشروط الأمريكية وقف تخصيب اليورانيوم، وتفتيش جميع المواقع من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن المطالب الأصعب على إيران هي وقف تطوير الصّواريخ البالستية، بالإضافة إلى التخلّي عن دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والانسحاب من سورية، وذلك يعني لإيران أمراً مستحيلاً.
التصعيد الأمريكي الجديد في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز بإرسال حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن) إلى الشواطئ الإيرانية، وانضمام القاذفة الإستراتيجية بوينغ 52 إلى القوات الأمريكية في قاعدة العديد القطرية يجر المنطقة برمتها إلى أزمات لا يمكن التكهن بنتائجها، وإن كانت طائرة البوينغ قادرة على حمل 32 ألف كيلو غرام من الأسلحة، فذلك لا يفيد التقارير التي نُشرت عن وكالة الاستخبارات الأمريكية حول ضعف قدرة القوات الإيرانية القتالية، فالأمريكيون يدركون خطورة القدرات الدفاعية والهجومية الإيرانية، ولن تنجح الولايات المتحدة في الحرب النفسية التي تريد أن تحققها لتطمئن حلفاءها بالمنطقة، فجميع القواعد الأمريكية في منطقة الخليج في مرمى الصّواريخ الإيرانية بلا أدنى شك.
التطورات الجديدة ولاسيما القرار الإيراني بتعليق بعض التعهدات في الاتّفاق النووي المبرم في العام 2015، وإلغاء المراعاة المحددة المرتبطة باحتياطات اليورانيوم والماء الثقيل، دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء أمس الأربعاء، إلى فرض عقوبات جديدة تشمل قطاع المعادن وتصدير الألمنيوم والصلب والنحاس، حيث تشكل هذه العائدات 10% من الصادرات الإيرانية وتُستخدم عائداتها لدعم الصناعة النووية، ولكن الرد الإيراني الرسمي جاء سريعاً على لسان المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية كمالوندي، والذي أكد أنه يمكن لإيران إعادة تفعيل أنابيب الطاقة النووية المملوءة بالأسمنت، في إشارة إلى أن كلّ ما يفعله الأمريكيون لا يمكن أن يوقف الإرادة الإيرانية.
إن قرار الرئيس الإيراني حسن روحاني بتعليق تعهدات إيران وإعطاء مهلة 60 يوماً للدول الأوروبية لكي تفي بالتزاماتها وتعمل على إنهاء العقوبات المفروضة أفرز انقسامات في المجموعة الموقعة للاتّفاق النووي مع طهران، فالتصريحات الفرنسية والبريطانية حمّلت إيران مسؤولية نتائج قراراتها وهددتها بفرض عقوبات إضافية، بينما شددت روسيا والصين على أن الموقف الأمريكي هو الذي دفع إيران للتصرف على هذا الاتجاه، ويبدو أن موقف المستشارة الألمانية أنجيلينا ميركل لم يتضح حتى اللحظة في ظل صمتها عن الأزمة والتخوّف من الموقف الإيراني الذي أكده الرئيس روحاني بأن الاستراتيجية الإيرانية هي التعهد أمام التعهد والتهديد أمام التهديد والانتهاك أمام الانتهاك، مما يمهد لجعل انتشار الأسلحة النووية أزمة عالمية، وذلك ليس بمصلحة الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا.
تتشابه السياستان الأمريكية والإيرانية في ظل التصعيد بينهما والذي بدأت به الولايات المتحدة، ولخطورة الوضع دلائل كثيرة عززتها زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو المفاجئة إلى العراق، فالمعادلة الأمريكية قاتلة، فكيف لهم بعد هذا التصعيد في منطقة الخليج إيجاد التوازن بين حمايتهم لأنظمة الدول الخليجية وحماية الأمن “الإسرائيلي” في حال نشوب حرب مع إيران! .
الولايات المتحدة تسعى إلى استمرار لعبة الضغوط النفسية والمراهنة على العقوبات الاقتصادية لضرب الداخل الإيراني، لأنها تعلم أن القوات الإيرانية لا تهدد أمنها حتى تستدعي البوارج الحربية إلى مياه الخليج، ولكنّ هذا الأمر مبرر لها حال تعرضها للهجوم الإيراني عند نيتها إيقاف سفن النفط المتدفق عبر مضيق هرمز، والأمريكيون يفكرون ألف مرة في ذلك، لأن طريق العودة سيكون مكلفاً وصعباً للغاية.
علي أصفهاني