لا تتفق إجراءات تركيا في الميدان السوري مع تصريحات مسؤوليها عن ضرورة إنجاز تقدم في مسار التقارب السوري- التركي، ففي الوقت الذي تؤكد فيه أنقرة على رغبتها بالتنسيق الأمني والعسكري مع الدولة السورية، تستمر في الميدان السوري بمشاريعها التوسعية وتحركاتها الميدانية، بما يتنافى مع مطالب الدولة السورية التي تشدد على ضرورة عودة الأراضي السورية إلى سيطرتها.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادرها أنه أُجري مؤخراً اجتماع ضمّ مجموعة من قادة الفصائل المنتشرة في ريف حلب، ونوقش فيه تشكيل غرفة عمليات بهدف التصدّي لـ”هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)”، بعد تعثّر تشكيل هذه الغرفة مرّات عدة في أوقات سابقة.
وأوضحت المصادر أن هذه التحرّكات تأتي استجابة لإيعازات تركية سابقة بتشكيل هيكلية مؤسّساتية للفصائل لوقف الفوضى القائمة، وتمهيد الأرض لإعادة اللاجئين، بالإضافة إلى تشكيل هيكلية اقتصادية تقلّل _قدر الإمكان_ من اعتماد التمويل التركي الذي بدأ ينضب.
وأبلغ الأتراك الفصائل أن “عليهم أن يقتدوا بما فعله زعيم تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، ومن يعارض عليه تسليم الأخير قيادة ريف حلب، خصوصاً أنه بات يتمتّع بعلاقات وطيدة مع أطراف دولية عدّة، من بينها الولايات المتحدة التي يتبادل معها معلومات استخباراتية باستمرار تتعلق بجهاديين تعمل واشنطن على التخلّص منهم، بالإضافة إلى علاقته مع قطر، ودول أخرى مِثل فرنسا التي يعمل أخيراً على تفكيك آخر ما تبقّى من جهاديّيها الناشطين ضمن جماعة الغرباء”.
ومنذ أشهر العام الفائت الأخيرة شهدت المناطق التي تسيطر عليها فصائل أنقرة معارك عنيفة بينهم وبين “هيئة تحرير الشام” وسط معلومات أشارت حينها إلى أن أنقرة لا مشكلة لديها بتمدد “الجولاني” باتجاه أماكن سيطرتها، وشن “الجولاني” في كانون الثاني من العام الجاري، حملة على مناطق ريف حلب الشمالي واعتقل إثرها عدداً من قياديي فصائل أنقرة وكان أبرزهم أحد قياديي “أحرار الشام” المدعو “أبو دجانة”، وأدخلت “الهيئة” حينها آلياتها إلى ريف حلب ونشرت عناصرها هناك، إلى أن توصلت فصائل “الجبهة الشامية (الفيلق الثالث)” و”هيئة تحرير الشام”، لاتفاق يقضي بوقف القتال الدائر بينهم، بضغط وتعليمات تركية مشددة، وذلك بعد تمدد “الهيئة” ضمن رقعة واسعة من منطقة عفرين واقترابها من الدخول إلى منطقة أعزاز.
التقارب السوري- التركي
التحركات التركية في سوريا تتجه أيضاً نحو استكمال مشروع “مدن الطوب” القاضي بإنشاء مدينة بعنوان “المدينة الآمنة” لإعادة اللاجئين السوريين إليها، وهو مشروع سبق أن أكدت الدولة السورية معارضتها له بالكامل، مؤكدة أن عودة اللاجئين السوريين يجب أن تكون بالتنسيق معها، بينما أفادت وكالة “الأناضول” التركية بأن وزير الدفاع خلوصي أكار، زار منطقة الشمال السوري قبل يومين ووضع حجر الأساس لهذا المشروع.
وعلى طرف نقيض، يؤكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تصر على إلغاء وجود “الوحدات الكردية” في المناطق الحدودية مع سوريا بالتعاون مع الدولة السورية، مشيراً إلى أن “عملية التقارب السوري- التركي لا يمكن أن تتم إلا بمشاركة عسكرية ودبلوماسية حازمة ومنسقة”.
وفي الوقت ذاته، أعلن أوغلو تشكيل لجنة رباعية بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا لإعداد “خريطة طريق” التقارب السوري- التركي، وأنها ستجري اجتماعاً قريباً، على حين نقلت صحيفة “الوطن” السورية عن مصادر متابعة تأكيدها أنه “من المبكر الحديث عن إعداد لجنة سورية لمتابعة إعداد خريطة طريق لتطوير العلاقة مع تركيا وفق مخرجات الاجتماع الوزاري الرباعي الأخير بصيغته الوزارية”.
وتشدد الدولة السورية باستمرار بتصريحات تصدر في أعلى المستويات أنه لن يتم إنجاز أي تقدم في مسار التقارب مع أنقرة قبل تنفيذ خطوات عملية على الأرض، وكان أبرز هذه التصريحات، الكلمة التي ألقاها الرئيس بشار الأسد، في القمة العربية بتاريخ 19 أيار الجاري، والتي شدد فيها على ضرورة مواجهة “السياسة العثمانية التوسعية” وعلّق وزير الخارجية فيصل المقداد على حديث الرئيس الأسد بقوله: “إن التوصيف الذي قدمه الرئيس بشار الأسد في القمة العربية عن الفكر العثماني التوسعي كان توصيفاً دقيقاً وواقعياً لأنه يوجد الآن قوة محتلة للأراضي السورية وعندما يريد أي طرف الدفاع عن أرضه وسيادته يجب أن يدافع عن ذلك بإجراءات ضمن حدوده وليس ضمن أراضي الدول الأخرى”.