خاص|| أثر برس تواجه بعض الفتيات السوريات تحديات جمّة في الإنجاب، بسبب تأخر سن الزواج عموماً، والضغوط الاقتصاديّة، أو ربما نتيجة ظروف صحية كالإصابة بالسرطان وغيره من الأمراض المزمنة، التي تنذر الفتاة باحتمال فقدان شعورها الأمومة.
وتلجأ بعض الشابات في سوريا للاحتفاظ بالبويضات وتجميدها لوقت لاحق كي لا تُحرم من شعور الأمومة، والإقبال على هذه التقنية أصبح علنياً ومعروف لدى كل الفتيات نظراً لحملات التوعية التي تعنى بتحديد السن الأفضل للخصوبة ووجود تقنيات تجميد البويضات تفادياً لعقم ناتج عن التقدم في السن أو لتعرضها للعلاج الكيميائي في حال إصابتها بالسرطان.
وفي السياق نفسه، قال أستاذ طب الإخصاب والعقم وطب الجنين والوراثة في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، الدكتور مروان الحلبي: “أول ما بُدء بتجميد البويضات كانت بطريقة (التجميد البطيء) وكانت نسبة (العيوشية) بعد فك التجميد قليلة وبعد تطور تقنية (التزجيج) أصبحت (العيوشية) تتجاوز 90% لذلك أصبح مجدٍ اقتصادياً وطبياً”.
وتابع د. الحلبي لـ”أثر”: “بداية التجميد كانت عالمياً لرعاية الخصوبة عند مريضات السرطان؛ ففي الآونة الأخيرة ازدادت نسبة الأورام السرطانية عند الفتيات ومع زيادة نسبة الأورام زادت نسبة الشفاء منها بالتالي لابد من رعاية الخصوبة، فبعد المعالجة الكيماوية أو الشعاعية قد تتخرب البويضات أو الأنسجة المبيضية؛ لذلك لا بد من الحفاظ على حق الفتيات بالإنجاب والخصوبة بتجميد البويضات بعد سن البلوغ أو تجميد الأنسجة المبيضية قبل سن البلوغ؛ هاتان التقنيتان تحميان السيدة خاصة بعد تطور تقنية (التزجيج) أو التجميد السريع وتصبح العملية مضمونة أو بسيطة؛ ويتم حفظ البويضات بعبوات خاصة بالآزوت السائل؛ بمعنى آخر: هي لا تتأثر بانقطاع الكهرباء إذ تحفظ بالآزوت السائل بدرجة حرارة (-185) ويتم حفظها لخمس أو لعشر سنوات أو أكثر من ذلك”، مضيفاً: “مثال ذلك: لدينا سيدة أنجبت بعد 13 عاماً من أجنة مجمدة؛ لذلك هي مثل الأنسجة البشرية ممكن أن تبقى عشرين سنة وكما هو معروف عالمياً من شهور عدة تمت ولادة طفل بعد 27 سنة من تجميد الأجنة”.
دواعي إجرائها
أوضح د.الحلبي لـ”أثر” أن دواعي إجراء تجميد البويضات في هذه المرحلة كثيرة، مضيفاً: “أولاً: أسباب اجتماعية كتأخر سن الزواج ربما بسبب اختلال التوازن بين الذكور والإناث حالياً في المجتمع وهجرة معظم الشباب بسبب ظروف الحرب والأوضاع المعيشية والاقتصادية، ثانياً: إصابة الفتاة ببعض الأمراض مثل الذئبة الحمامية الجهازية والداء الرثواني (الروماتويدي) والتي تضطر من خلالها الفتاة إلى تناول بعض الأدوية الكيماوية التي تضعف الخصوبة وتقلل من مخزون المبيض؛ لذلك فإن هؤلاء الفتيات تنفد لديهن البويضات باكراً؛ وريثما يحين سن الزواج تكون قد نفدت البويضات لديهن لذلك من الضروري اللجوء إلى تجميد البويضات بهذه الأمراض، ثالثاً: الاستطباب الرئيسي لها هو مريضات الأورام بشكل عام أي (الأورام التي تحتاج إلى معالجة كيماوية؛ والمعالجة الكيماوية مثلما تقضي على الأنسجة السرطانية تقضي على الأنسجة المبيضية والبيوض لأنها تعتبر من الخلايا الآخذة بالنمو والتطور لذلك لا بد من تجميد الأنسجة المبيضية قبل سن البلوغ للفتاة أو تجميد البويضات بعد سن البلوغ أو خلال سن النشاط التناسلي، أي سرطان احتاجت من خلاله الفتاة إلى معالجة كيميائية يجب تجميد البويضات قبله؛ ويجب كذلك طرح الفكرة للمريضة فمن حق أي سيدة رعاية الخصوبة والإنجاب؛ وقد ظهر لدينا اختصاص جديد (Oncofertility) رعاية الخصوبة عند مرضى الأورام في العالم؛ وطبيب الخصوبة هو جزء من فريق معالجة السرطان وذلك بهدف تحسين نوعية الحياة عند هؤلاء المرضى بعد الشفاء”.
وتابع د. الحلبي لـ”أثر”: “هناك بعض السيدات لديهن (قصور مبيض مترقٍّ) ومعنى ذلك أن هؤلاء السيدات يعانين من قصور مبيض باكر تنفذ البويضات قبل أوانها أي يصبحن بسن اليأس في سن مبكر 30 عاماً أو 27 عاماً؛ وهذا له أسباب عديدة منها جينبة أو مكتسبة وهو شائع ويزداد بسبب الظروف والشدات النفسية وفي الحروب والأزمات، لذلك هؤلاء السيدات اللواتي يشخص لديهن نقص في مخزون المبيض أو قصور مبيض مبكر أو عدم كفاية المبيض يجب إجراء تجميد البويضات لهن لأنه لحين أن يتم الزواج تكون البويضات قد نفدت وقلت نوعيتها وبالتالي قدرتها على الخصوبة أقل وعلى الإنجاب تكون أقل أيضاً”.
ولفت إلى أن هناك بعض المتلازمات الوراثية مثل متلازمة الصبغي (x) الهش؛ تترافق مع نفاد باكر للبويضات ولابد أيضاً من تجميد البويضات؛ متابعاً: “وهناك استطبابات عدة والأسباب الوراثية لقصور المبيض الباكر في سوريا شائعة بسبب زواج الأقارب هنا لا بد من دخول هذه التقنية بشكل أساسي وضروري لتحسين نوعية الحياة للفتيات بشكل عام”.
وكشف الحلبي خلال حديثه أن عملية تجميد البويضات أصبحت موجودة في سوريا وبشكل علني وذلك لأن وزارة الصحة أصدرت قرار تنظيمي نظم عمل مراكز الإخصاب؛ وسمحت بتجميد البويضات وتجميد النطاف؛ (تجميد الأعراس أو الخلايا التناسلية) سواء أكانت ذكرية أم أنثوية (تجميد النطاف موجود منذ أكثر من 15 عاماً) في سوريا خاصة لنمط الأورام عند الذكور، متابعاً: “تجميد البويضات أصبح لها مادة وذلك نظراً (للجدل الاخلاقي والديني) الذي حصل حيالها؛ لكنه تم البت بالموضوع وصدرت مادة من القرار التنظيمي لعمليات الإخصاب تتيح تجميد البويضات ويمارس علنياً في مراكز الإخصاب التي تضم قسم أو وحدات لتجميد البويضات ولها شروط وقوانين ناظمة للعاملين بها وللعمل فيها بحيث لا يتم اختلاط الأعراس بالمطلق؛ هناك طرق لضبط جودة هذه المراكز وهي معتمدة عالمياً ولا يمكن أن يحصل أي خطأ بالمطلق”.
نسبة الإقبال
بيّن أستاذ طب الإخصاب والعقم وطب الجنين والوراثة في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، الدكتور مروان الحلبي أن نسبة الإقبال على تجميد البويضات ما زالت قليلة نسبياً، متابعاً: “المثقفات أو من يندرجن ضمن هذا الاستطباب ممن لديهن (نقص في مخزون المبيض) أو (تأخرن بسن الزواج) أصبحن يقبلن على المراكز لإجراء تجميد البويضات وهذا حق مشروع لكل من يندرج ضمن استطبابات أو دواعي إجراء تجميد البويضات؛ إذاً الإقبال ما زال في الحد الأدنى لكنه موجود”.
كلفة تجميد البويضات:
ذكر د. الحلبي أن التكلفة تنقسم إلى تكلفة تحريض الإباضة؛ وبزل البويضات وتكلفة التجميد لمدة خمس سنوات على الأقل، فهي مثل تكلفة طفل الأنبوب والرقم متغير وهو ربع تكلفتها في الدول المجاورة، وتعتبر مقبولة في سوريا مقارنة بتكاليف العمليات الخاصة بشكل عام؛ يتم فيها التجميد لمدة خمس سنوات وتتجدد لخمس سنوات أخرى، وكل مركز مرخص أصولاً بإمكانه إجراء عملية تجميد البويضات.
وأكد أستاذ طب الإخصاب والعقم وطب الجنين والوراثة في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، الدكتور مروان الحلبي أنه لا داعي لفض غشاء البكارة من أجل بزل البويضات أو سحبها أو استحصال البويضات فيمكن الحصول عليها عن طريق المستقيم أو البطن من دون فقدان عذرية الفتاة، متابعاً: “البعض يخاف من انقطاع الكهرباء، لكن حفظ البويضات لا يحتاج إلى كهرباء؛ إنما يحفظ بالآزوت السائل؛ وخلال السنوات السابقة لم ينقطع الآزوت السائل في مراكز الإخصاب بسوريا لأنه ينتج محلياً ويحفظ ضمن حاويات خاصة فلا يمكن الاختلاط أو التلف إلا بعد فترات طويلة جداً”.
ماذا يقول الشرع؟
أوضح عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق د. حسان عوض أن عملية تجميد الأجنّة تعتبر من جملة التطورات والطفرات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، وهذه العملية يتم إجراؤها في معامل أطفال الأنابيب المتقدمة في حالات التلقيح الخارجي؛ إذ يوجد عدد فائض من البويضات التي لا ينفع نقلُها إلى رحم صاحبتها بعد أن نقلت إليها إحداها مُخَصّبة، فيُلجَأ إلى تجميد ذلك الزائد -مخصباً أو غير مخصب- من أجل حفظه، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة؛ وذلك كأن لا يحدث حمل في المرة الأولى مثلاً، أو كأن يقررا فيما بعد إنجاب طفل آخر، وذلك من دون الاحتياج إلى إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى، مضيفاً: “فكرة التجميد هذه تعتمد حفظ الخلية تحت درجات برودة منخفضة جداً بغمرها في النيتروجين السائل الذي تبلغ درجة برودته 196 درجة مئوية تحت الصفر، ويمكن أن تصل مدة الحفظ إلى سنوات عدة من دون أن تتأثر البويضات المحفوظة”.
وأضاف لـ”أثر”: “القيام بعملية التجميد المذكورة جائز شرعاً؛ لأنه من مكملات عملية طفل الأنابيب التي أجازتها المجامع الفقهية الإسلامية بين الزوج وزوجته بناءً على أنها من باب العلاج للإنجاب، والأصل في العلاج والتداوي المشروعية، وهذا مما لا خلاف فيه بين أئمة الفقه، وإذا كان العلاج جائزاً فإن مكملاته جائزة أيضاً؛ لأن الإذن في الشيء إذنٌ في مكملات مقصودة، ويؤكد هذا الجواز هنا ما يحققه اللجوء للتجميد من تقليل للتكاليف المالية الباهظة التي تلزم لإجراء عملية الإخصاب عند تكرار أخذ البويضات من المرأة”.
وبحسب عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق د. حسان عوض فإنه يجب أن يُلتَفَت إلى أن هذا الجواز مقيد ببعض الضوابط، وهي:
ـ أن تتم عملية التخصيب بين الزوجين حصراً ولو أثناء موته دماغياً لأنه ما زال حياً.
ـ أن يتم استدخال اللقيحة في المرأة أثناء قيام الزوجية بينها وبين صاحب الماء، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بوفاة أو طلاق أو غيرهما.
ـ أن تحفظ هذه اللقائح المخصبة بشكل آمن تماماً تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمداً أو سهواً بغيرها من اللقائح المحفوظة.
ـ أن لا يتم وضع اللقيحة في رَحم أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعاً ولا بمفاوضة.
ـ أن لا يتم بيع (اللقيحة) أو التبرع بها سواء أثناء الزوجية أو بعدها بسبب وفاة أو طلاق أو فسخ أو الموت الدماغي.
ـ أن لا تكون لعملية تجميد الأجنة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ؛ كحدوث التشوهات الخلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد.
دينا عبد