خاص || أثر برس
لم تكن سياسة الإدارة الأمريكية مضطربة يوماً مثل التخبط الحاصل في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، رغم أن جميع الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض جمهوريين كانوا أم ديموقراطيين تم توظيفهم لخدمة المشروع “الإسرائيلي” في منطقة الشرق الأوسط، وتلقوا الدعم من معظم نوّاب الكونغرس الأمريكي.
حتى أنّه لم يعد خافياً أيضاً الدور الذي لعبه المحافظون الجدد في الترويج لغزو العراق عام 2003، مع اختلاف المناخ الدولي حينها وانفراد الهيمنة الأمريكية على العالم، إلاّ أن الولايات المتحدة في سياستها كانت تراعي مصالح حلفائها إلى حد ما وخاصة دول أوروبا المتمثلة في حلف الناتو، والواقعة منها على الحدود الشرقية لجمهورية الاتحاد الروسي العدو التقليدي للولايات المتحدة، على عكس السياسة التي يعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم انطلاقاً من التنافس الاقتصادي الذي أضاع التوازن السياسي والتشاركية مع حلفاءه، وأعاد العالم إلى عصر الحرب الباردة وسباقات التسلح بعد انسحابه من جميع الاتفاقيات التي كانت الولايات المتحدة قد انضمت إليها في إطار الحفاظ على النظام الدولي وصولاً إلى نيته الانسحاب من معاهدة تجارة الأسلحة الدولية، حيث كان خروج دونالد ترامب من الاتفاقية النووية التي أبرمها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مع إيران ضد مصلحة الدول الأوروبية التي تنظر إلى إيران بأهمية اقتصادية كبيرة تسهم بتدفق النفط إلى أوروبا، وفي التبادلات التجارية الحيوية، كما أنه من شأن الاتفاق معها ضمان الاحتواء لأنشطتها النووية بالنسبة إلى هذه الدول.
نجح جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي، ومستشار الأمن القومي جون بولتون بالالتفاف على الاتفاقية النووية مع إيران تلبية لـ “إسرائيل” التي رأت منذ توقيعها أنها تصب في مصلحة الجانب الإيراني، ولم تكن قادرة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تبديل سياسته الرامية إلى احتواء القدرات الإيرانية بالشراكة مع حلفاء الولايات المتحدة، حيث ثمّة اختلاف في سياسة الديمقراطيين الذين اعتمدوا الحرب الناعمة في مواجهة الخصوم تجنباً للصدام المباشر، ومع فرض حزمة العقوبات الأمريكية على إيران في 4 تشرين الثاني الماضي عام 2018 انخفضت صادرات إيران النفطية إلى حوالي مليون ونصف برميل يومياً، حيث أبقت الولايات المتحدة على إعفاءات لثماني دول فقط سُمح لها باستيراد النفط الإيراني ريثما يتم تعويض حاجاتها من مصادر أخرى، وفي 22 نيسان الفائت ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الإعفاءات تمهيداً لإيقاف تصدير النفط الإيراني نهائياً.
تكمن المخططات الأمريكية في تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب عدم خضوعها لصفقة القرن التي تجر كل المنطقة إلى شرق أوسط جديد، وهي استكمال لتصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، واعتراف واشنطن بالقدس عاصمة مزعومة لـ”إسرائيل” بالإضافة إلى اعترافها بالجولان السوري أرض صهيونية، وتطبيع علاقات معظم الدول العربية مع “إسرائيل” في مؤتمر وارسو الذي تم انعقاده وما تبعه من زيارات للوفود “الإسرائيلية” إلى دول الخليج.
الرفض الإيراني للعقوبات الأمريكية وأزمة النفط المفتعلة تتعدى إيران إلى كل المنطقة، وهي تعدُ بالأزمات بالتأكيد، لكن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية جر إيران إلى إغلاق مضيق هرمز لن تنجح، فتدرك إيران رغم تهديداتها بإغلاق المضيق بأنه ممر عالمي يعبر منه 30% من النفط المتدفق نحو العالم، وهو ما يقارب 18 مليون برميل يومياً، كما أن إيران لن تسمح في الوقت نفسه أن تحل السعودية والإمارات محلها في تعويض النقص الحاصل في النفط العالمي، ويبدو أن هذه التداعيات سوف تؤثر على أسعار النفط العالمي بكل تأكيد لأن إيران لن توقف صادراتها إلى عدة دول أبرزها تركيا والصين والعراق ولو لجأت إلى طرق عدة في ذلك.
يمكن القول إن إمكانية نشوب حرب في المنطقة مستبعدة، ولن تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل أيضاً إلى غاياتها عن طريق فرض الحصار على إيران وضرب مصالح الدول التي لا يمكن لها أن تجد بديلاً عن النفط الإيراني مثل تركيا التي تستورد 50% من النفط الإيراني بسعر مدعوم، إضافة إلى الصين التي تجعل من طريق الحرير الجديد منفذاً للمنطقة من خلال ميناء جابهار الإيراني.
علي أصفهاني