خاص|| أثر برس تتصدر الدبلوماسية الإيطالية التقارب مع سوريا خاطفة الأضواء من تركيا حليفتها في الناتو، إذ أعلنت روما وبشكل مفاجئ عبر وزير خارجيتها أنطونيو تاياني تعيين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية إلى سوريا سيفانو رافاجنان سفيراً مقيماً في دمشق، خطوة هي الأولى من نوعها منذ بداية الأزمة في سورية، وقفزة ثابتة في ظل القطيعة الأوروبية.
في الحقيقة لا يمكن القول ثمة انقطاع أوروبي كامل مع دمشق، إذ لم يتوقف عمل ست سفارات لدول في الاتحاد الأوروبي طوال فترة الأزمة، كسفارات رومانيا، وبلغاريا، واليونان، وقبرص، وجمهورية التشيك، والمجر، لكن فيما يخص مجموعة الدول السبع الكبار المتمثلة في الولايات المتحدة، واليابان، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فينظر على أن ما فعلته إيطاليا كجزء من الدول السبع الكبار، يعد خرقاً واضحاً في سياسة هذه الدول، خاصة إزاء موقفها المتشددة تجاه سوريا.
أسباب سياسية
لا شك أن وثيقة “لا ورقة” التي أرسلها وزراء خارجية إيطاليا، والنمسا، وقبرص، وجمهورية التشيك، واليونان، وكرواتيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أوضحت عموماً أهداف العودة السياسية والدبلوماسية الإيطالية إلى سوريا، إذ أشارت الوثيقة إلى تعاظم الدور الروسي والإيراني في دعمهم لسوريا باستعادة سيطرتها على معظم أراضيها، ما يفسر قلقاً حقيقياً من تنامي هذا الدور وإنهاء أي وجود أوروبي في المنطقة.
كما تشير الوثيقة بشكل مباشر إلى أنه مع تغيير الكثير من الدول العربية بقيادة السعودية نهجها تجاه دمشق، وإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية وفتح حوار معها، أدى ذلك إلى جمود فعلي في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، يضاف على ذلك أن العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة متعثرة، ولم يتمكن المبعوث الخاص للأمين العام من تحقيق تقدم في عملية جنيف أو اللجنة الدستورية، وهو ما يمكن تفسيره على أن أوروبا باتت هي نفسها تخشى عزلة عن المتغيرات التي تطرأ في منطقة الشرق الأوسط.
أسباب أمنية واقتصادية
يشير الباحث السياسي من إيطاليا د. عدي رمضان في حديث خاص لـ”أثر برس” إلى أن العلاقات السورية – الإيطالية لم تنقطع على مدار سنوات الأزمة مع سوريا، خصوصاً في مجال التنسيق الأمني، إذ سبق زيارات متبادلة لرؤساء أجهزة الاستخبارات ما بين دمشق وروما منذ عام 2016، وجميعها في إطار مكافحة الإرهاب وملفات أمنية بين البلدين، عدا أن إيطاليا كانت وسيطاً حقيقاً للولايات المتحدة الأمريكية في ملفات مثل المخطوفين، كونها لا تنفصل عسكرياً ولا استخباراتياً ولا سياسياً عن القرار الأمريكي، سيما وجود قواعد عسكرية أمريكية خارج منظومة الناتو في إيطاليا وتعامل على أنها أرض عسكرية أمريكية.
وحول أبرز الملفات بين البلدين للتقارب لفت د. رمضان إلى أن ملف اللاجئين أحد أبرز النقاشات على طاولة السياسة الإيطالية مع دمشق، إذ وجدت إيطاليا نفسها خزاناً مستقبلاً للآلاف من المهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها، كونها تمتلك حدوداً بحرية طويلة تسهل عملية الهجرة غير القانونية إليها عبر البحر، سواء من تركيا أم ليبيا وغير ذلك من طرق الهجرة ما يشكل رغبة منها في التنسيق مع دمشق ضمن مسار عودة اللاجئين، منوهاً بأن سوء الأوضاع الاقتصادية في إيطاليا دفعها بالبحث عن أسواق خارجية لها، إذ كانت عمليات التبادل التجارية مع دمشق قبل الأزمة تدر قرابة مليار دولار سنوياً.
منافسة روسيا على الطاقة والغاز
يعتقد الباحث في الشؤون السياسية من بيروت سامر كركي، أنه من الواضح جداً أن الخيار الإيطالي في توسيع دائرة النفوذ في المنطقة يعود لتراجع الثقل السياسي الألماني والفرنسي بالشرق الأوسط، والحيوية السياسية لروما المستمد من موافقة واشنطن الضمنية لها بهذا الدور.
ولفت الباحث كركي في حوار مع “أثر برس” إلى أن إيطاليا تسعى إلى إعادة تموضع اقتصادي لها في سوريا خصوصاً نقاط النفط والغاز على الساحل السوري، وعليه الدخول بمزاحمة ومنافسة الوجود الروسي مستقبلاً، وهذا أشارت إليه ضمناً وثيقة “لا ورقة” المقدمة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والتي عبرت بشكل غير مباشرة بأن أوروبا خارج المسرح السوري نتيجة التغلغل الإيراني والروسي.
وفي ختام حديثه نوه الباحث من بيروت بأن إيطاليا تسعى جاهدة إلى أن تكون خلفاً لإسبانيا في قيادة قوات اليونيفيل الموجودة في لبنان، وهذا يعزز وجودها بشكل فعلي ويزيد من مرونتها الدبلوماسية على طول البحر المتوسط لأي صفقة مقبلة.
تشير التقديرات السياسية إلى أن الخطوة الإيطالية قد لا تحمل ثقلاً اقتصادياً لدمشق، لكنها تحمل ثقلاً خاصاً كخطوة تشجيعية في إطار العودة الدبلوماسية والسياسية الأوروبية والدولية إلى سوريا، وهو ما تثبته المتغيرات السياسية للكثير من الدول والتي باتت ترى أن قطيعة سورية يعني الانفصام السياسي عن واقع الشرق الأوسط.
د. أحمد كناني