في القمة العربية-الصينية التي استضافتها الرياض، لم يستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الرئيس الصيني شي جين بينغ، كما استقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، بقبضة اليد، بل أطال معه المصافحة، مع علم الطرفين أن هذا اللقاء سيكون تحت الأنظار الأمريكية بكافة تفاصيله، وبإجماع التحليلات العربية والأجنبية، فإن تزامن زيارة بينغ إلى التطورات التي يشهدها العالم، يزيد من أهميتها إلى حد كبير.
في هذا الصدد، قال الصحفي اللبناني فارش خشان، في مقال نشرته صحيفة “النهار” اللبنانية:
“على الرغم من الأدبيّات المضبوطة التي رافقت وقائع الأيّام الصينيّة-السعوديّة، والصينيّة-العربيّة، والصينيّة-الخليجيّة الثلاثة في الرياض، إلّا أنّ الإدارة الأمريكية، قبل غيرها أدركت أنّها -رسالة استراتيجيّة- كتبها ولي العهد السعودي بعناية فائقة وبعث بها إلى البيت الأبيض وإلى الكونغرس الأمريكي، بعد رسالة تنبيه كان قد أوصلها، في بداية آذار الماضي، إلى الرئيس جو بايدن شخصياً، من خلال مقابلة أجرتها معه مجلّة “ذي أتلانتيك” وأعلن فيها أنّه لا يهتم إذا فهمه بايدن خطأ، قائلًا: يعود لبايدن التفكير بمصالح أمريكا، ينبغي على البلدين الا يتدخلا في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض” مضيفاً أن “القيادة السعوديّة أظهرت أنّ النظام العالمي الجديد لا يقيس أهميّة الدول انطلاقاً من قدراتها التخريبيّة أو إمكانياتها العسكريّة أو طموحاتها التوسعيّة، بل من إمكانياتها الاقتصاديّة وقابليّتها على أن تكون جزءاً لا يتجزّأ من المنافسة وإصلاح الخلل”.
في هذا السياق نشر موقع “ميدل إيست أي” البريطاني مقالاً للكاتبين كارلوتا ريناودو، وزينو ليوني أشارا خلاله إلى أن:
“استضافة الرياض لقمة صينية عربية يبعث برسالة إلى الأمريكيين، مفادها أن المملكة العربية السعودية تنوي بكل وضوح سلوك طريق أكثر استقلالاً في صناعة قرارها، وهو طريق من شأنه أن يجعل الرياض تتردد في السماح للولايات المتحدة بالتحكم بتحالفاتها، بل على العكس من ذلك، ما من شك في أن الخليج من خلال هذه القمة إنما يمهد لتحصيل مزيد من الفوائد من وجود الصين في المنطقة”.
وفي موقع قناة “BBC” البريطانية جاء: “المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة هي من أبرز العوامل المؤثرة على حركة السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين، ولا تريد الولايات المتحدة لهذه المنافسة أن تؤدي إلى تراجعها إلى ما دون المركز الأول الذي تحتله وتتربع عليه منذ نهاية الحرب الباردة، أما الصين فلا تخفي سعيها للفوز والتقدم” مضيفاً أن “الشرق الأوسط كان مسرحاً رئيسياً للتنافس في الحرب الباردة القرن الماضي وتمتعت الولايات المتحدة، وقبلها بريطانيا، بالنفوذ الأكبر والعلاقات الأكثر قوة مع دول الخليج العربية، وما زالت العلاقات الأمريكية مع السعودية ودول الخليج قوية جداً، لكن النفوذ الأمريكي يواجه منافسة شديدة وهناك مؤشرات وتغيرات يتابعها العالم”.
أما صحيفة “العرب” اللندنية فكان لها رأي مختلف، حيث نشرت مقالاً للكاتب والشاعر العراقي إبراهيم الزبيدي، قال فيه: “نختلف كثيراً مع بعض المحللين والكتاب السياسيين العراقيين، تحديدا، في اعتبارهم الزيارة ضربةً سعودية لمعاقبة الرئيس جو بايدن، وتخليا عن تحالفها التاريخي مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، واستبدالها بالصين، لأن الذي يعرف المملكة العربية السعودية جيدا يعرف أنها، تاريخيا، تدير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول العالم المختلفة بالعقل والحساب الدقيق لموازين الربح والخسارة”.
القمة التي استضافتها الرياض نتج عنها اتفاقيات على كافة المستويات (طاقة وزراعة واقتصاد والأمن والدفاع وغيرها) وتشير فيه التقديرات إلى أن ما حصل من تطورات على الصعيد العالمي، دفع السعودية إلى التفكير بضرورة وجود خطط بديلة في حال حصول أي طارئ، مستفيدة من دروس قديمة ومستندة إلى مبدأ “الحياد” في العديد من الملفات.