خاص|| أثر برس جاء إعلان افتتاح مطار “الجرّاح” العسكري شرقي حلب في وقتٍ يجري فيه الحديث عن التوجّه نحو حلحلة عقدة الطرق الدولية شمالي سوريا، تطبيقاً لاتفاقية “سوتشي” الموقّعة بين موسكو وأنقرة عام 2019، ما يُبرز مؤشراتٍ ميدانية موازيةً لخط مسار التقارب التركي – السوري الدبلوماسي تتويجاً للمساعي الروسيّة.
وزارة الدفاع الروسية أكدت في بيان لها، أن إعادة تفعيل مطار “الجرّاح” العسكري شمالي سوريا، تم بعد إعادة ترميمه من قِبل العسكريين الروس والسوريين، بهدف تنظيم الانتشار والاستخدام المشترك لطيران القوات الجوية الروسية والسورية على السواء.
رسائل سوريّة – روسيّة
من الواضح أن انتشار مقطع الفيديو الذي يُظهر تدريبات مشتركة للعسكريين الروس والسوريين، وهم يقومون بالقفز المظلي، وسط تحليق الطائرات الحوّامة والحربيّة، بالتزامن مع إعلان الدفاع الروسيّة عن إعادة تفعيل المطار، من شأنه إيصال رسائل عدّة نظراً لما يشهده الشمال السوري من تحرّكات أمريكية تهدف إلى عرقلة المسار الروسي بين تركيا وسوريا.
ويرى المحلل السياسي كمال الجفا في تصريح لـ “أثر” أن “إعادة تأهيل وتحديث وتطوير مطار عسكري في الشمال السوري يعني رسالة إلى الأطراف كافة مفادها بأن الدولة السورية لديها الإصرارعلى إعادة بناء قوتها العسكرية تدريجياً مع حلفائها”، لافتاً إلى أن “وجود المطار لا يعني السيطرة على مساحة وجوده الجغرافيّة فقط، وإنما إنشاء قاعدة دعم خلفي ولوجستي للجيش السوري في أي تطورات ميدانيّة قادمة”.
وأضاف أن “افتتاح مطار الجراح من الممكن أن يدفع الجيش السوري إلى توسيع قواعد عسكرية أخرى في مطار دير الزور العسكري، ومطار القامشلي”.
وأكد الجفا أن “المتضرر الأول من افتتاح المطار هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تدخل في صراع مع روسيا”، معتبراً أن “عملية الافتتاح تمّت ببيان روسي؛ لأنها رسالة بأن روسيا جزء أساسي من إعادة ترميم وبناء الجيش السوري على أسس حديثة، وذلك مُلاحظ من خلال أنظمة الدفاع الجوي المتطورة التي وُضعت في المطار”.
عُقدة الطرق الدولية
سعت موسكو مُنذ بدء مسار “أستانة” عام 2017، إلى إعادة تفعيل الطرق الدولية التي تمر عبر سوريا نظراً لأهميتها في تشكيل ممر لعبور البضائع نحو الأردن والعراق ودول الخليج، إذ افتُتح الطريق الرئيس مع الأردن، بعد سيطرة الجيش السوري على الشريط الحدودي عام 2018 بما فيه معبر نصيب، كما تم افتتاح معبر البوكمال مع العراق، وتالياً إن الطرق الدولية في الشمال السوري تمثّل هدفاً اقتصاديّاً مشتركاً لتركيا وسوريا، ويبدو أن تعزيز الوجود العسكري للجيش السوري يشير إلى استعداد دمشق لتنفيذ أي تفاهمات مع أنقرة، في حال أن تفي الأخيرة بالتزاماتها بشأن تطبيق اتفاقية “سوتشي”.
وفي هذا السياق، يشير الجفا لـ “أثر” إلى أن “إعادة سيطرة الدولة السوريّة على مناطق حيويّة في الشمال يريح الجانب التركي فيما إذا كانت أنقرة جديّة بالتقرّب من دمشق”، موضحاً أن “وجود المطار يعطي قاعدة لوجستية متقدمة لإمداد القوات التي يكون لها دور في السيطرة على المناطق الحدودية الموجودة بين سوريا وتركيا، وهذا يعطي اطمئنان لتركيا بقدرة الدولة السورية على تنفيذ أي اتفاقية بين البلدين، لأن القاعدة الجوية تستطيع تأمين عبور الترانزيت والخطوط والقوافل من خلال الحماية الجويّة وطيران الاستطلاع”.
وفي الإطار نفسه، أوضحت وزارة الدفاع الروسيّة في بيانها أنه “تم تجهيز برج القيادة والتحكم بوسائل الاتصالات والدعم الفني اللاسلكي للرحلات الجوية في المطار، ما يسمح بالرحلات بشكل متواصل”.
وأضافت أنه “تم تنظيم الحراسة والدفاع الأرضي حول المطار، ونشر أنظمة الدفاع الجوي الروسية والسورية، كما جرى نصب معدات للإضاءة وأكثر من 9 كيلومترات من التحصينات، وساحة لاستقبال جميع أنواع وسائل النقل العسكري والطيران التكتيكي التابع للجيش في المطار”، بحسب مانقلته وكالة “تاس” الروسيّة.
ردع الطائرات الإسرائيلية
بالتزامن مع الإعلان عن افتتاح مطار “الجراح” العسكري، قالت “القناة “ 12 العبرية: “بعد نحو عقد من خروج مطارالجراح عن الخدمة، افتُتح المطار بدعم من روسيا، ومن المتوقع أن يبدأ سلاح الجو الروسي العمل في المطار قريباً، وهو الأمر الذي يشكّل مشكلة بالنسبة لإسرائيل”.
ووفق القناة، فإن “المسؤولين العسكريين في كِيان الاحتلال يتخوّفون من حصول تعاون إيراني – روسي في المطار، وهذا يعني أن إسرائيل ستجد صعوبة في التصرف عسكرياً خوفاً من إلحاق الضرر بالمعدات أو الطائرات الروسية”.
ويأتي ذلك وسط الحديث عن نشر منظومات دفاع جوي في المطار من نوع طراز “بوك إم 2 إي” و”بانتسير إس 1”، من شأنها تعزيز قدرة الجيش السوري على إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية التي كانت قد شنت عَوادٍ في أوقات سابقة على حلب، إذ شن الكيان الإسرائيلي في 19 من تموز 2021 عدواناً على مدينة السفيرة بريف حلب الجنوبي، كما تعرض مطار حلب الدولي للاستهداف في آب الماضي بعد استهدافه بثلاثة صواريخ إسرائيلية من جهة البحر.
وفي هذا الصدد، أكدت الدفاع الروسيّة في بيانها، أن “التمركز الجوي المشترك للقوات الجوية الروسية والسورية في مطار الجراح يسمح بتغطية حدود الدولة وضمان سلامة المدنيين في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في الجمهورية العربية السورية”.
وتعليقاً على ذلك يرى الجفا أنه “كان هناك نقطة ضعف كبيرة في عملية صد التسلل الذي تتبعه الطائرات الإسرائليلة في الأجواء عند شن غاراتها لاستهداف الأراضي السورية شمالي حلب، وحدث ذلك مرات عدة بسبب عدم وجود شبكات دفاع جوي مترابطة تحوي على أنساق متعددة من المنظومات (ذات المستويات المنخفضة أو البوك أو S200)”.
واعتقد الجفا بأن “تدعيم قاعدة الجراح الجوية برادارات تغطي حتى مساحة 300 كم من الشمال إلى الجنوب السوري حتى الحدود السورية – العراقية، سيضيّق ويحد من قدرة الطائرات الإسرائيلية على المناورة في عمليات الاستهداف المتتابعة على مناطق الشمال السوري في البحوث العلمية في السفيرة على طريق خناصر أو المناطق الأخرى”.
مطار الجرّاح “كشيش”
يقع مطار “الجرّاح” على بعد 60 كيلو متراً شرقي مدينة حلب، وهو ثاني أكبر مطار حربي في ريف حلب الشرقي بعد مطار كويرس العسكري، وكان يتم الاعتماد عليه سابقاً في إجراء التدريبات.
في العام 2013 بدأت الفصائل المسلّحة التي تقودها “حركة أحرار الشام” حصارها للمطار منفّذةً عشرات الهجمات باتجاهه، وتمكنت من السيطرة عليه بعد معارك عنيفة مع الجيش السوري، قبل أن يظهر تنظيم “داعش” ويتمكن من انتزاع السيطرة على المطار من يد مسلحي “أحرار الشام” بالتزامن مع اجتياحه مناطق واسعة من ريف حلب الشرقي عام 2014.
ومع بدء عمليات الجيش السوري التي أسفرت عن استعادة السيطرة على معظم مناطق ريف حلب الشرقي بما فيها مدينتا دير حافر ومسكنة، تمكن في آذار 2017 من استعادة السيطرة على مطار “الجراح” بعد معارك عنيفة خاضها ضد التنظيم.
وتعرّض المطار خلال سيطرة الفصائل المسلّحة والتنظيم عليه بين 2013 – 2017 لأضرار كبيرة في تجهيزاته ومهبطه الوحيد البالغ طوله نحو 3 كيلو متر، وحظائر الطائرات البالغ عددها 12حظيرة، قبل أن تتم إعادة إعماره وتأهيله مجدداً خلال الفترة الماضية، ويعود إلى الخدمة يوم أمس.
ويكتسب المطار أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يشكّل حلقة الوصل بين شرق حلب وغربها إذ يقع وسط ريف حلب الشرقي، مشرفاً على مدينتي مسكنة ودير حافر، كما يؤمن رؤية أكثر وضوحاً لمناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” المدعومة أمريكياً شرقي الفرات.
علي أصفهاني