في الوقت الذي يشير فيه عدد من المختصون والخبراء الأتراك أن مسار التقارب السوري- التركي يتسارع تسارعاً لافتاً وأن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات عدة، بالتزامن مع الإجراءات التركية الرامية إلى احتواء المعارضة سواء كانت العسكرية المتمثلة بـ”الجيش الوطني” أم السياسية المتمثلة بـ “الائتلاف المعارض” و”الحكومة المؤقتة”، تبقى المشكلة في “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)” ومتزعمها “أبو محمد الجولاني” الذي كان قبل مدة ليست ببعيدة تربطه بتركيا علاقات جيدة وتنسيق عسكري شمال غربي سوريا.
“الجولاني” أعلن مسبقاً أنه يرفض التقارب السوري- التركي بالمطلق، ودعا فصائل “الجيش الوطني” إلى التعاون مع “الهيئة”، في تصريح اعتبره محللون أنه محاولة لخلق واقع عسكري جديد يهدف إلى عرقلة هذا التقارب.
وبالتقارب السوري- التركي يبقى لـ”الجولاني” خيارات محدودة، أحدها القبول بالأمر الواقع ومحاولة إيجاد مكان له في الواقع السياسي والميداني الجديد الذي يتشكل في سوريا، وفي هذا السياق نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر ميدانية أن “ضباطاً من الجيش والاستخبارات التركيَين عقدوا ثلاثة اجتماعات مع الهيئة في الأيام القليلة الماضية، مشيرة إلى أن “الجولاني أعاد تعهّده بتأمين الطريق، وعدم المساس بالنقاط التركية”، مضيفة أن “الوفد التركي تلقّى مجموعة من الأسئلة التي يريد الجولاني الإجابة عنها، ومن بينها إمكانية إدخاله وجماعته في مسار الحل السياسي، من دون أن يتلقى أي رد عليها”.
أما الخيار الآخر فهو الانسحاب من إدلب إلى مناطق ريف حلب الشمالي، التي زرع مؤخراً فيها موطئ قدم له، حيث أشارت “الأخبار” إلى أن “الجولاني” يستعدّ للمرحلة المقبلة، والتي قد تتضمّن الانسحاب من مناطق عدة في ريف إدلب، على خطوط التماس مع مواقع سيطرة الجيش السوري، مقابل التوسّع أكثر في ريف حلب.
هل ينتقل “الجولاني” إلى المعسكر الأمريكي شرقي سوريا؟
لفتت مصادر “الأخبار” إلى أنه تدور في الأوساط المعارضة نقاشات عدة عن إمكانية انخراط “الجولاني” وجماعته في المعارك مع “قسد”، مشيرة إلى أن “هذا الأمر يتطلب في البداية تشكيل غرفة عمليات موحّدة تجمع كلّ الفصائل، وهو مَنفذ يراه الجولاني، مقبولاً؛ كونه يضمن استمرار وجوده وجماعته، خصوصاً أنه اتخذ خلال الأعوام الثلاثة الماضية خطوات واسعة لنفض غبار القاعدة عنه، بإزالة مظاهر التشدّد عن مناطق سيطرته”، مشيرة إلى أنه “في ظلّ وجود قنوات اتصال فعلية بينه وبين واشنطن، ظهرت بوضوح في عملية اغتيال قياديَين في داعش من بينهم زعيم التنظيم السابق الأبرز أبو بكر البغدادي، والذي اغتالته قوة أمريكية في منطقة تخضع لسيطرة الهيئة، في ريف إدلب قرب الحدود مع تركيا، وخليفته عبدالله قرداش، الملقّب بأبو إبراهيم الهاشمي القرشي أيضاً”.
يشار إلى أن “الهيئة” وغيرها من الفصائل المسلحة الرافضة للتقارب السوري-التركي، انتقلت من مرحلة مناقشة احتمال حدوث هذا التقارب إلى مرحلة مناقشة مصيرها بعد حدوث هذا التقارب، حيث تتجه بعضها إلى خيار قبول الأمر الواقع خصوصاً بعدما أصدرت “الحكومة المؤقتة” أمس بياناً أعربت فيه ترحيبها بالتقارب، إلى جانب تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، الذي حذّر فيه من التحريض على التظاهر ضد مسار التقارب التركي-السوري شمالي سوريا.