خاص || أثر برس
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن قرار الانسحاب من سوريا بشكل مفاجئ، واللافت في إصدار القرار هو إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن نظيره الأمريكي ناقش معه هذا القرار قبيل الإعلان عنه، ما اعتبره ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية لشن عملية عسكرية في أراضي شرق الفرات السورية ضد الأكراد.
لكن الأكراد كان لهم موقف آخر بعد تخلي أمريكا عنهم، وهو التوجه بقوة إلى الدولة السورية وتأكيدهم استعدادهم للانضمام لصفوف قواتها وتسليم المناطق التي ينتشرون بها إلى الدولة، ومن المفترض أن موقف الأكراد هذا كان متوقعاً بالنسبة لأمريكا خصوصاً أنه وقبل إعلان الانسحاب من سوريا، دخل الأكراد في طريق المفاوضات مع الحكومة السورية.
وعليه، بدأ الأكراد بالإقدام على الخطوات العملية، إذ سلموا بلدة العريمة في ريف منبج شمالي سوريا إلى الدولة السورية وبعدها دخلت القوات السورية إلى ريف منبج، كما أعلن الأكراد عن استعدادهم لتسليم كامل الشريط الحدودي مع تركيا للدولة السورية، وهذه التحركات الأخيرة التي قام بها الأكراد على الأرض -والتي سرع خطواتها القرار الأمريكي بالتخلي عنهم والانسحاب من سوريا- أجبرت تركيا على رسم استراتيجية جديدة في سوريا ووضع أهداف مختلفة.
وربما تنحصر أهداف تركيا الجديدة في سوريا بـ”حفظ ماء وجهها”، حيث كان نبأ دخول القوات السورية إلى محيط منبج بمثابة الصدمة لأردوغان، وهذا ما أكده بقوله في 28 كانون الأول فور وصول خبر دخول القوات السورية: “إن وجود القوات السورية في منبج يشكل ضغط نفسي على قواتنا“، ليُعقد بعد يوم واحد من هذا التصريح اجتماع روسي-تركي أبلغ فيه الجانب الروسي الأتراك بأنه يجب منع حدوث أي اشتباك بين القوات التركية والسورية، مذكراً إياه بأن الدولة السورية مصرة على استعادة كامل أراضيها ولن تسمح بوجود قوات أجنبية على أراضيها بطريقة غير شرعية.
في هذه الأثناء بدأت الصحف التركية المقربة من حكومتها بالحديث عن الضرر الذي سيلحق بالأتراك في سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية، إذ نشرت صحيفة “خبر تورك” مقالاً بعنوان “الانسحاب الأمريكي ورطة لتركيا”، رأت فيه أن “الأمر الأصح في هذه المرحلة هو أن تقوم الفصائل المسلحة بالمهمة، دون أن يدخل الجيش التركي تلك الأراضي، وبذلك تبقى المسألة بين السوريين” حسب الصحيفة.
يبدو أن خيار وضع الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في واجهة المعارك التي تهدد بها أنقرة لازال قيد المناقشة في الإدارة التركية، لأنه بعد أيام من الاجتماع التركي-الروسي، بدأت وتيرة المعارك ترتفع بين هذه الفصائل و”جبهة النصرة” في ريفي إدلب وحلب، والنتائج كانت مفاجئة جداً، فخلال أربعة أيام تمكنت “النصرة” من السيطرة على معظم مناطق ريف حلب الغربي ما تسبب بتوجه فصائل تركيا إلى مناطق الشمال السوري، والآن تتوجه “النصرة” إلى ريف إدلب الجنوبي، وكما أفادت وكالة “باسنيوز” الكردية فإن القوات التركية أخلت ثلاث مواقع لها شمالي سوريا خلال الأيام القليلة الماضية.
يشار إلى أن هذا الاقتتال بين”النصرة” وفصائل تركيا يأتي في الوقت الذي أكد فيه الجانب الروسي لتركيا خلال الاجتماع الذي عقد في 29 كانون الأول أنها لم تف بوعدها بالقضاء على “النصرة”، إذ كان من المفترض أن يتم التخلص منها في نهاية 2018، ما يدل على أن تركيا لن تعمل على التخلص من “النصرة”.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية للانسحاب الأمريكي، إلا أن هذا الانسحاب المفاجئ دفع الأكراد إلى إجراءات أجبرت الأتراك على تغيير خطتهم في سوريا، إذ بدؤوا شيئاً فشيئاً بالانسحاب وبشكل غير مباشر واضعين الفصائل الموالية لهم في الواجهة، فمن اللافت أن الاقتتال الذي لا زال مستمراً في أرياف إدلب وحلب لم يلق أي ردة فعل من أنقرة، حتى ولو كان بتصريحات شفهية فقط، فهل ستتخلى تركيا عن فصائلها شمالاً أم ستديرها عن بعد لتحقق لها أهدافها بالسيطرة على مناطق أخرى في الشمال السوري؟
زهراء سرحان