أثار قرار إغلاق بعض القنصليات الغربية في إسطنبول، مخاوف الجانب التركي خشية إقدام الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على خطوات أكثر خطورة في تركيا، ما دفع أنقرة نحو السعي بشكل أكبر لإنجاز تقدّم في مسار المحادثات السورية- التركية، الأمر الذي وضع مسألة حاجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى التقرّب من سوريا، خلال هذه المرحلة تحت الأضواء بشكل أكبر.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” الأمريكية مقالاً أكدت خلاله أن “الأمن والسياسة الخارجية هما من دعاوى أردوغان القوية للتقرّب من دمشق، في حين أن نقاط ضعفه هي الاقتصاد واللاجئون، وتحتاج الحكومة التركية قبل الانتخابات إلى خلق تصوّر بأن عملية عودة اللاجئين قد بدأت” وأضافت أنه “حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي سبق أن مارس ضغوطاً من أجل تطبيع العلاقات مع الدولة السورية كخطوة نحو إعادة اللاجئين، وقال أونال تشفيكوز، النائب عن حزب الشعب الجمهوري ومستشار السياسة الخارجية، للصحفيين مؤخراً إن حزب الشعب الجمهوري أصر دائماً على الحوار بين أنقرة ودمشق، الآن بعد أن فعلت الحكومة ذلك، كيف يمكننا أن نقول: لا تفعل ؟”.
وتؤكد التقديرات أن أحد المقومات التي ساعدت أردوغان، في مسار التقرّب من سوريا هي التقاء المصالح التركية مع المصالح الروسية والإيرانية والسورية فيما يتعلق بضرورة إلغاء الوجود الأمريكي الداعم لـ”الوحدات الكردية” في سوريا، وفي هذا السياق، أكدت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية أن: “السياسة الرئيسية لروسيا هي تشجيع تركيا على محاربة الولايات المتحدة، وحصلت على ما أرادته في أواخر عام 2019 عندما هاجمت تركيا قوات سوريا الديمقراطية وطالبت الولايات المتحدة بمغادرة سوريا، ومنذ ذلك الحين ادعت تركيا أنها ستشن المزيد من العمليات العسكرية، وبالنسبة لروسيا فإن الهدف الأهم هو أن تغادر الولايات المتحدة، تحت ضغط من تركيا، ثم تستعيد الدولة السورية المناطق التي تسيطر عليها واشنطن” مشددة على أن “العلاقات التركية- الروسية مهمة للغاية وترغب أنقرة في إيجاد طريقة للقاء دمشق”.
التوجه التركي نحو الشرق وتلاقي المصالح الروسية- التركية، بات واضحاً تماماً بالنسبة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الذين لا يمكنهم التخلي عن تحالفهم مع (شريكتهم في الناتو) تركيا وفي الوقت ذاته لا يمكنهم أن يتجاوزا التجاهل التركي للرفض الأمريكي والغربي لمسار التقارب السوري- التركي، وفي هذا الصدد لفتت صحيفة “الغارديان” البريطانية إلى أن “تركيا تتمتع بنفوذ كبير على مفترق طرق أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والجغرافيا لا يمكن تغييرها” مشيرة إلى أن “موثوقية تركيا وفائدتها كحليف غربي موثوق به تكاد على وشك الانتهاء” مضيفاً أن “تركيا تعيش في منطقة قاسية، لا أحد يتوقع سيول السلام والمحبة من قادتها، ويمكن أن يكون حليفاً قيماً مرة أخرى، لكن تركيا لا غنى عنها وإذا لزم الأمر، يمكن للديمقراطيات الغربية أن تعيش بأمان بدونها”.
التصعيد الغربي والأمريكي إزاء أنقرة زاد من احتمالات أن تقدم على الدول على مهاجمة نظام “حزب العدالة والتنمية” خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة بشكل غير مباشر، فيما تشير بعض التقديرات إلى أن واشنطن هذه المرحلة ليست بصدد معاداة تركيا بل ترغب بالحفاظ على علاقاتها معها ووضع احتمال بقاء “العدالة والتنمية” حاكماً في حسبانها، وفي هذا الصدد سبق أن قال المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري: “إن تركيا حليف لأمريكا لأنها عضو في حلف الناتو، لكنها حليف مُعقد بعلاقات متوترة أحياناً، بما في ذلك الآن، والعلاقة بين البلدين علاقة معاملات”.