خاص || أثر برس كانت الألبسة الأوروبية المستعملة المعروفة باسم “البالة”، ممنوعة وفقاً للقوانين، إلا أن الظروف المعاشية الصعبة والتي أدت لزيادة الطلب عليها من قبل أصحاب الدخل المحدود، دفعت لقوننة وجودها نسبياً، وباتت المحال العاملة ببيع هذه المواد في مناطق متفرّقة من العاصمة وخاصة في منطقة “الإطفائية”، وسط دمشق مقصداً للناس للبحث عمّا هو “جيد ورخيص”.
الأسعار في محال البالة لم تعد بمقدور الفقير، تقولها الطالبة الجامعية “حلا”، وهي تتنقل بعينيها بين المعاطف الشتوية المعلّقة في أحد محال “البالة” في منطقة “الشيخ سعد” بالمزة، بحثاً عن معطف يناسبها من حيث القياس، فالمشكلة هنا تكمن في أن “القطعة لا مثيل لها والقياسات حظ”، إذ إن ما قد يعجب الزبون من “موديل”، لا يكون له قياسات متعدّدة على رفوف المحل، وإنما تعتمد القصة بالنسبة للباحثين عن طلبهم على “الحظ الحلو”.
المعطف يبدأ من 20 ألف ليرة ويصعد ليصل أرقاماً تفوق الأسعار المعلن عنها في المحال المختصة ببيع الملابس الجديدة، إلا أن “حلا”، وصديقاتها يبحثن عن الجودة في ظل تردّي نوعية الملابس المطروحة في الأسواق وتقول لـ “أثر برس” أن شراء معطف من البالة بسعر قد يقارب أو يفوق أسعار الملابس الجديدة هو خيار أفضل بالنسبة لها، فما تشتريه من الثياب المستعملة يبقى قابلاً للاستخدام لفترة أطول من الألبسة الجديدة التي قد “يحلّ لونها” أو “تكش وتصبح صغيرة المقاس”، بعد أول عملية غسيل.
تشير “أم أحمد”، إلى أنها بحاجة لنصف راتبها الشهري لشراء معطف من “البالة”، إلا أنها ستحتاج كل راتبها مع إضافة “حبة مسك”، لتحصل على معطف جديد إن رغبت به، والمشكلة لا تكمن في السعر فقط وإنما في الجودة شبه المعدومة في الثياب المطروحة في الأسواق، وتعتبر السيدة العاملة في إحدى المؤسسات الحكومة أن “أول كذبة” ستسمعها حال دخولها إلى محال الثياب الجديدة هي أن القطع المعروضة “قماش تركي – قماش أوروبي”، أو أن القطعة المعروضة هي من “التهريب”، وبالتالي ثمنها أغلى من غيرها وإذا ما تمت المغامرة وقررت شراء هذه القطعة ستتفاجأ بأنها لا تختلف عن أي قطعة مصنوعة محلّياً من حيث تماسك الألوان أو جودة القماش بعد عملية الغسيل الأولى.
البحث عن معطف جلدي هو السبب الذي دفع بـ “ميسون”، وصديقاتها للتجوال بين محال البالة في منطقة الإطفائية، فمجرّد التفكير بما ستجده مكتوباً على بطاقة المعطف الجلدي الجديد في المحال المتخصصة بذلك ستصيبه بحالة من الإغماء، وتضيف الطالبة الجامعية بالقول لـ “أثر”، بأنها في العام الماضي قرّرتِ البحث عن معطف جلدي في أسواق العاصمة، وكانت أسعار المعاطف المصنوعة من الجلد الطبيعي تبدأ من 400 ألف ليرة سورية، والمصنوعة من الجلد الصناعي لا تقلّ عن 60 ألف ليرة، وهي معاطف تتلف بعملية الغسيل وتصاب بـ “التقشر”، ولذلك قرّرت البحث عن معطف يناسبها في أسواق “البالة”، لكن الأمر لم يكن سهلاً بالنسبة لها، فقد تضطر لإلغاء الفكرة وتأجيلها حتى يمر “الموسم”، فشراء معطف في بداية الشتاء يعد مغامرة اقتصادية بالنسبة لطالبة تحصل على مصروفها من ذويها.
تقول سمية لـ “أثر برس”، إن كلمة “كريم”، في وصف البائع لبضاعته تعد مقدمة لـ “سعر عالي”، فالمقصود من الكلمة هو أن ما يعرضه في محلّه من ألبسة تأتي من “تصافي محال”، وبالتالي هي غير مستعملة في الدول التي نُقلت منها “البالة”، وللحصول على الألبسة بجودة لابد من التضحية بأكثر من 75 بالمئة من راتب بالنسبة لـ “معلّمة الابتدائي”، التي تحاول أن تبدو بأفضل صورة من حيث الأناقة خلال توجهها للعمل يومياً.
بعض المحال المتخصصة بـ “البالة”، تعرض ملابس داخلية نسائية وما يُعرف بـ “العرايسي“، في إشارة إلى “البيبي دول واللانجري”، وهذه المواد تشهد إقبالاً من النساء لكونها أرخص من السوق وذات نوعية جيدة وأحياناً “ماركات عالمية”، إذا ما فكّرت الأنثى باقتناء الجديد منها فقد تدفع مبالغاً كبيراً للحصول عليها، ولا تجد النسوة حرجاً من “تقليب بسطة الداخليات”، الموضوعة في أحد أركان المحال التي تعرض مثل هذه البضاعة، وتقوم بـ “المفاصلة”، على السعر ليكون الأمر مناسباً لها من حيث النوعية والسعر في آن معاً.
يتحدّث أحد باعة البالة لـ “أثر”، عن صعوبات العمل، فالحصول على البضاعة يتم عبر “التهريب”، فلا “رخص لاستيراد الألبسة المستعملة”، يمكن أن تصدر عن وزارة الاقتصاد، والتعامل بـ “فعل الأمر الواقع”، هو ما يسود السوق، وما أن يحصل البائع على بضاعته مكدّسة في “شوالات”، من تجّار الجملة، عليه أن يفرزها إلى مستويات من حيث الجودة والقيمة، ومن ثم يقوم بإرسالها إلى “المصبغة”، ليتم غسلها وكيّها لعرضها بشكل أنيق، ويُعدّ من يتعامل مع “البالة”، أشبه بـ “المقامر”، فقد يكون “الشوال”، يحتوي على بضاعة تحقّق ربحاً خيالياً، وقد يحتوي على بضائع تالفة يتم رمي غالبها للبسطات التي تبيع على قاعدة “القطعة بـ 2000″، أو بسعر أعلى، لكن بعض باعة البالة يرفضون الدخول في مثل هذه المغامرة ويقومون بشراء بضائعهم من تجّار “نص الجملة”، الذين يقومون بفتح “الشوالات”، وفرزها وتقييم ما يتواجد فيها.
يتراوح ربح “البالة”، بين 10-20 بالمئة بحسب ما يدّعي أصحاب المحال المتخصصة، لكن الأمر ليس صحيحاً على ما يبدو، فـالأحذية مثلاً تُباع بأسعار قد تصل لـ 80 ألف ليرة، والمعاطف تتجاوز ذلك، ويقول أحد العاملين في هذا الحقل أن “تجارة البالة”، تحقّق ربحاً لا يقل عن 100 بالمئة في أسوء الأحوال، ولا يعد الأمر “غشاً أو غبناً”، للزبون بتحقيق مثل هذه المرابح، فالسعر يتفق عليه ومن لا يعجبه السعر يمكنه البحث في محلّ آخر عما يريده.